من نحن  |  الاتصال بنا
آخر الأخبار

 - النظـام السياسي في اليمـن:بين النيابي والرئاسي

الجمعة, 26-أبريل-2013
صعدة برس -
د. علي مطهر العثربي

"رؤية مقترَحة"


ملخص لورقة عمل مقدمة لحلقة نقاش:

الحوار الوطني وشكل النظــام السياســي فـي اليمــن

تضمنت الدراسة مقدمة تناولت الظروف المتعلقة بالحياة السياسية وتطوراتها وحاجة الدول لمتطلبات التغيير التي تتفق مع الخصوصية الجغرافية والبشرية ، كما تناولت الدراسة مشكلة البحث وقد حدد هدف الدراسة تقديم الرؤية العلمية والمنهاجية الأكاديمية حول النظام الأمثل لليمن المعاصر ، كما أشارت مقدمة الدراسة إلى أهمية تقديم هذه الرؤية الاستشرافية للنظام السياسي الأمثل لليمن خلال المرحلة الراهنة المتزامنة مع انطلاق الحوار الوطني الشامل ، وإذا كانت ورقة العمل هذه تنطلق من هدف رئيسي يتعلق بمحاولة تقديم تصور أولي حول شكل النظام السياسي الأمثل أو الأكثر ملاءمة لليمن, فإنها (أي الورقة) ستهتم أيضا بمحاولة تقديم رؤى علمية ومنهاجية واضحة حول تساؤلين لصيقين تماما بالموضوع, ويتمثلان في ما يلي:

- ما هي أنماط أو أشكال النظم السياسية المعاصرة؟

- ما هو شكل النظام السياسي القائم في اليمن؟ وما هي خصائصه ومميزاته وعيوبه؟

تقسيم الدراسة:

المبحث الأول: النظام النيابي :"خصائصه – مميزاته – عيوبه".

المبحث الثاني: النظام الرئاسي :"خصائصه – مميزاته – عيوبه".

المبحث الثالث : نظام الجمعية: "خصائصه – مميزاته – عيوبه".

المبحث الرابع: شكل النظام السياسي في اليمن وآفاق المستقبل.

أولاً: النظام السياسي في اليمن ومظاهر النظام الرئاسي.

ثانياً: النظام السياسي في اليمن ومظاهر النظام النيابي.

ثالثاً: النظام السياسي الأمثل لمستقبل اليمن.

الخاتمة: (النتائج – التوصيات).

وقد تناولت الدراسة في المبحث الأول النظام النيابي من خلال تعريفه ، حيث أوردت الدراسة العديد من تعريفات المفكرين والباحثين في الفكر السياسي المعاصر ، وخلصت الدراسة إلى تعريف يجمع القواسم المشتركة لمعظم عناصر تعريفات المفكرين والفلاسفة .

ثم استعرضت الدراسة أركان النظام النيابي لدى العديد من المفكرين في مجال النظم السياسية والنظم الدستورية المعاصرة ، حيث أشارت الدراسة إلى أربعة اتجاهات في الحديث عن تعريف النظام النيابي على النحو التالي :

الاتجاه الأول: يرى أنصاره أن للنظام النيابي ركنان فقط هما:

- ثنائية السلطة التنفيذية.

- التعاون والرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

الاتجاه الثاني: يرى أنصاره أن للنظام النيابي ثلاثة أركان هي:

1. المجلس المنتخب.

2. رئيس الدولة غير المسئول.

3. الوزارة المسئولة.

وآخرون من نفس الاتجاه يرون بأن أركان النظام النيابي الثلاثة هي:

1- المجلس النيابي منتخب من الشعب يباشر سلطات حقيقية.

2- تأقيت مدة نيابة المجلس النيابي.

3- استقلالية المجلس النيابي أثناء مدة نيابته عن جمهور الناخبين.

الاتجاه الثالث: يرى أنصاره أن للنظام النيابي أربعة أركان هي:

1- وجود مجلس نيابي منتخب من الشعب يمارس سلطات فعلية في الحكم.

2- تأقيت مدة انتخاب المجلس النيابي .

3- عضو المجلس النيابي يمثل الأمة كلها.

4- استقلال المجلس النيابي عن الناخبين طوال مدة نيابته.

الاتجاه الرابع: ولعله الاتجاه الأكثر شمولاً, إذ يرى أنصاره من المفكرين والباحثين في مجال النظم السياسية والدستورية أن للنظام النيابي جملة من "الخصائص الأساسية", وهم هنا لم يشيروا إلى ما اعتبرته الاتجاهات الأخرى أركانا لذلك النظام, محددين تلك الخصائص في ما يلي:

- وجود رئيس أعلى للدولة وإلى جواره رئيس الحكومة.

- رئيس الدولة هو الذي يعين رئيس الوزراء. [ولفظ التعيين هنا - كما ورد في المصدر – لا يتفق بالطبع مع مفهوم النظام النيابي وخصائصه؛ إذ من المعلوم أن رئيس الدولة إنما"يسمي" رئيس الحكومة ولا يعينه].

- رئيس الوزراء يختار وزراءه.

- الوزارة تكون وحدة متجانسة [القصد من لفظ التجانس هنا - بحسب المصدر - خلق القدرة على انجاز المهام].

- الوزراء أعضاء في المجلس النيابي.

- الوزارة مسئولة أمام المجلس النيابي.

- حق الوزارة أن تطلب من رئيس الدولة حل المجلس النيابي.

وهناك في هذا الاتجاه نفسه من يضيف إلى الخصائص السابقة خصائص أخرى هي:

- المجلس النيابي ككل أسمى من جزئية الحكومة والمجلس.

- الحكومة ككل مسئولة بطريقة غير مباشرة أمام الناخبين.

- المجلس النيابي يعتبر مركز ثقل في هذا النظام.

وفي إطار هذا الاتجاه أيضاً من يرى أن خصائص النظام النيابي تكمن في:

- التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

- تبادل التأثير بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

- مركز الثقل المجلس النيابي (السلطة التشريعية).

- ثنائية الجهاز التنفيذي.

من ناحية أخرى, هناك من يتحدث عن ما يسميه أسساً للنظام النيابي, ويرى أن الأسس التي تحقق النظام النيابي تكمن في ما يلي:

- المجلس النيابي المنتخب من الشعب.

- أن يمثل عضو المجلس النيابي الأمة بأسرها.

- أن يكون المجلس النيابي مستقلاً عن هيئة الناخبين ولا يحق للناخبين عزلهم أو تقييدهم بأوامر [أو اشتراطات].

- أن يحدث تجديد للمجلس النيابي بصفة دورية, وأن تكون المدة النيابية معقولة ومحدودة بأجل معلوم.

ولعله من الواضح من العرض السابق أن بعضاً مما أشارت إليه الاتجاهات التي اهتمت بالأركان أو الخصائص أو الأسس التي تحدث عنها المفكرون السياسيون ورجال الفقه الدستوري في ما يتعلق بالنظام النيابي, تبدو محل شراكة في ما بين أنماط أو أشكال النظم السياسية المعاصرة الثلاثة: (النظام النيابي, النظام الرئاسي, نظام الجمعية أو المجلس). الأمر الذي ينعكس في واقع الممارسة الفعلية في شكل ظهور أنماط أو أشكال مختلطة من كل من تلك الأشكال الرئيسة.

المزايا والعيوب للنظام النيابي:

أولاً: المزايا:

- يؤمن إلى حد كبير استقرار النظام السياسي ويحد من الانقلابات, دون أن يعني ذلك بالضرورة تحقيق ما يمكن تسميته بـ "الاستقرار الحكومي".

- يرسخ فكرة أن الوسيلة الوحيدة للوصول إلى السلطة هي الانتخابات العامة.

- يجعل السلطة التنفيذية مسئولة مسئولية مباشرة أمام السلطة التشريعية.

- يؤمن الانسجام والتعاون المتبادل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

ثانياً: العيـــــوب:

- عند سيطرة حزب واحد على أغلبية مقاعد المجلس النيابي فإن ذلك قد يؤدي إلى حكم الأقلية.

- هناك عدد من المجتمعات يتدنى مستوى وعي ناخبيها السياسي, الأمر الذي قد يؤدي إلى عدم الدقة في الاختيار أثناء الانتخابات.

- النظام النيابي يجيز الجمع بين عضوية البرلمان والحكومة, وبالنظر إلى أن أصحاب رأس المال ومراكز القوى الاجتماعية هم القادرين في الأساس على تحمل أعباء الترشح وخوض الانتخابات, وهم كذلك الأكثر قدرة على التأثير السياسي في الإطار المجتمع بصفة عامة, فإن أولئك عادة ما يستأثرون بنصيب الأسد في الانتخابات النيابية, الأمر الذي يزيد احتمالات تحول النظام إلى خدمة مصالح تلك الشريحة.

- في الحالات التي يصعب فيها على حزب واحد تحقيق نسبة الأغلبية في المجلس النيابي تصبح مسألة اللجوء لتشكيل حكومة ائتلافية من حزبين أو ربما أكثر مسألة معيقة للحكومة في أدائها لمهامها, وتؤدي في الكثير من الظروف إلى حل الائتلاف والدعوة لانتخابات مبكرة.

وفي المبحث الثاني قدمت الدراسة عرضاً موجزاً لتعريف النظام الرئاسي حيث يعرف البعض النظام الرئاسي بأنه ذلك النظام الذي يقوم على أساس تركز السلطة في يد رئيس الجمهورية، ويتضمن مبدأ انتخاب السلطتين التشريعية والتنفيذية.وتأتي فكرة انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب تعبيراً عن هدف توفير قدر من القوة والاستقرار للنظام السياسي، لأن الرئيس يستمد قوته بشكل مباشر من الشعب ويتولى السلطة التنفيذية المخولة له بموجب الدستور.

في حين يعرف البعض الآخر النظام الرئاسي باعتباره النظام الذي يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات فصلاً تاماً والانتخاب المباشر لرئيس الدولة ، فيما يرى آخرون بأن النظام الرئاسي يعتمد على فردية السلطة التنفيذية حيث يحصرها في يد رئيس الجمهورية، في حين يشير البعض إلى أن النظام الرئاسي هو الذي تغيب فيه وسائل التأثير المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

أركان النظام الرئاسي:

تبعاً للتنوع في تعريفات النظام الرئاسي فإن تحديد أركان النظام الرئاسي أو خصائصه تختلف لدى المفكرين والباحثين من شخص لآخر؛ فمنهم من يرى أن أركان النظام الرئاسي هي:

1- تركز السلطة التنفيذية واعتمادها بشكل أساسي على الرئيس.

2- الفصل التام أو المطلق بين السلطات.

ومنهم من يرى بأن أركان النظام الرئاسي ركنان هما:

1- الفصل التام بين السلطات (التشريعية والتنفيذية والقضائية ).

2- وجود رئيس جمهورية منتخب من قبل الشعب ويجمع بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة لأنه يختار مساعديه وليسوا مسئولين أمام السلطة التشريعية.

واستنتاجاً مما سبق يرى الباحث أن النظام الرئاسي هو الذي يعتمد على تركز السلطة بيد رئيس الجمهورية المنتخب من الشعب, وتغيب فيه الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية, ويعتمد على الفصل المطلق بين السلطات.

وبمقتضى الركن الأول للنظام الرئاسي فإن رئيس الدولة ينتخب انتخاباً مباشراً من الشعب ، والرئيس في النظام الرئاسي يسود ويحكم ويمثل الشعب ويتكلم باسمه ويعبر عن إرادته المطلقة، وهذا يعني أن رئيس الجمهورية في النظام الرئاسي هو رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية، لأنه يقوم بتعيين معاونين له ومساعدين في إدارة شئون البلاد, وهم مسئولون أمامه مباشرة ولا يجوز أن يكون هؤلاء المساعدون أعضاءً في السلطة التشريعية, والرئيس يعد مسئولاً عنهم أمام الرأي العام، وهو (أي الرئيس) يعد بكل ذلك محور الارتكاز في النظام الرئاسي.

أما الركن المتعلق بغياب الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في النظام الرئاسي فإن مرد ذلك لحالة الفصل الشديدة بين السلطات ويترتب على ذلك الآتي:

- عدم جواز الجمع بين عضوية المجلس التشريعي والسلطة التنفيذية.

- الرئيس مسئول أمام الشعب والنصوص الدستورية فقط.

- عدم استطاعة الرئيس حل السلطة التشريعية.

ملاحظات على النظام الرئاسي:

لعل أشهر مثال للنظام الرئاسي النظام المعمول به في الولايات المتحدة الأمريكية وهي دولة فدرالية تتمتع في إطارها كل ولاية بحكومة محلية وسلطة تشريعية, فضلاً عن دساتير محلية خاصة بالولايات ، وكذا قوانين ولائية ، ومع أن الولايات المتحدة الأمريكية هي البلد التي تجذر فيها أشهر مثال للنظام الرئاسي إلا أن واقع الحال فيها لا يعطي المعنى الحرفي لمفهوم النظام الرئاسي, وذلك للأسباب التالية:

1- لا يستطيع رئيس الجمهورية في النظام الأمريكي تنفيذ مهامه واختصاصاته الدستورية إلا إذا وافق المجلس التشريعي على الاعتمادات المالية اللازمة وهذا تدخل من السلطة التشريعية في السلطة التنفيذية .

2- من حق المحكمة الدستورية العليا في الولايات المتحدة الأمريكية أن تعلن أن أعمال الرئيس لم تعد دستورية, وإذا لم يقبل الرئيس بذلك فإن السلطة التشريعية تتدخل لإيقاف أعمال الرئيس أو عزله وهذا تداخل بين السلطات الثلاث.

3- يعطي النظام الرئاسي في أمريكا الحق للسلطة التشريعية في التحقيق في موضوعات معينة, والحق للرئيس في تعيين بعض القضاة وهو ما يعني التدخل في السلطة القضائية.

4- يجيز الدستور الفدرالي المركزي الأمريكي لرئيس الجمهورية أن يطلب السلطة التشريعية للانعقاد في دورة غير عادية في حال رفض السلطة التشريعية التصويت على مشروعات الرئيس في الدورة العادية وهذا تدخل جديد من السلطة التنفيذية في حق السلطة التشريعية.

5- إذا كان رئيس الجمهورية هو صاحب الصلاحيات ومن حقه تعيين مساعديه إلا أن ذلك التعيين يعد مجرد مقترح أو ترشيح ولا يصبح قراراً ما لم يوافق عليه مجلس الشيوخ, ومن أولئك مساعدي الرئيس للشئون الخارجية والدفاع والأمن والسفراء والقضاة في المحاكم الاتحادية العليا.


6- يجيز الدستور الفدرالي المركزي الأمريكي لرئيس الجمهورية حق تقديم توصيات تشريعية بعبارات عامة غير مفصلة.

7- يحق لرئيس الجمهورية الاعتراض على القوانين التي أقرها مجلس النواب والشيوخ مع بيان أسباب الاعتراض، وفي حالة موافقة المجلسان على القانون نفسه بأغلبية ثلث أعضائهما فإن اعتراض الرئيس يسقط ويلتزم بالتنفيذ.

ونرى هنا أن كل النقاط سالفة الذكر تظهر قدراً من التداخل بين السلطات الثلاث, وتلك التداخلات يمكن أن تعد بمثابة نوع من الرقابة المتبادلة, وأن لم ترق في تأثيرها إلى مستوى الرقابة المتبادلة الواضحة المتوفرة في إطار النظام النيابي. بالتالي فإن الفصل بين السلطات في النظام الأمريكي لا يبدو بتلك الحدة التي يمكن أن تجعله فصلاً تاماً مطلقاً.

مزايا النظام الرئاسي:

- وحدة السلطة التنفيذية في شخص رئيس الدولة وخصوصاً في ظروف الأزمات والحروب والأحداث الطارئة.

- عدم الجمع بين عضوية السلطة التشريعية والتنفيذية.

- سهولة اختيار رئيس الدولة لمساعديه.

- يستطيع الرئيس في النظام الرئاسي أن ينفذ برنامجه دون إعاقة من السلطة التشريعية.

- وجود فكرة "السلطة تضبط السلطة" فوجود الضوابط والتوازن في السلطات قد يحد من طغيان أحدهما على الآخر.

- تفرغ الهيئة التنفيذية أو مساعدي الرئيس للمهام التنفيذية دون الانشغال بغيرها.

- تطبيق السياسات الحازمة دون أية إعاقة من السلطة التشريعية، لأن التقييم في الأنظمة الرئاسية متروك للانتخابات العامة فقط.

- ضعف التأثير الحزبي على السلطة التشريعية لأن الأعضاء يدلون بأصواتهم تجاه القضايا الوطنية بحرية كاملة دون الخوف على المراكز الإدارية، لأن أعضاء السلطة التشريعية ليسوا أعضاءً في السلطة التنفيذية.

عيوب النظام الرئاسي :

1- سيطرة الفرد المطلق؛ إذ بالرغم من أن الرئيس عادة ما يكون مقيداً بالنصوص الدستورية إلا أن إمكانية الاستبداد بالرأي والإرادة واردة ، وكمثال على ذلك ما حدث في عهد إبراهام لنكولن عندما جمع مساعديه للتصويت على قضية معينة وصوت سبعة منهم وهم أغلبية في اتجاه معين, لكن الرئيس لم يأخذ بنتيجة ذلك التصويت بل انفرد برأيه المخالف معللاً ذلك بأن:"واحداً يمثل الأكثرية".

2- جميع مسئوليات الرئيس في النظام الرئاسي تقع على عاتقه ولا توجد حكومة تتحمل المسئولية عنه، الأمر الذي يضاعف الأعباء على رئيس الدولة.

3- لا يستطيع الرئيس في النظام الرئاسي أن يحل السلطة التشريعية في حالة زيادة حدة الخلافات بين السلطة التنفيذية والتشريعية , وهذا يتطلب اللجوء إلى المحكمة الدستورية العليا التي تطول فيها الإجراءات.

4- لا يحق للسلطة التشريعية إسقاط الرئيس الأمر الذي قد يؤدي إلى الاستبداد بالسلطة وإن كانت محددة بفترة زمنية معينة.

5- إمكانية السيطرة على البرلمان في النظام الرئاسي إذا كان حزب الرئيس يمتلك الأغلبية في السلطة التشريعية الأمر الذي يتيح له تمرير القوانين التي يريدها كما حدث في عهد الرئيس الأمريكي روزفلت.

6- النظام الرئاسي يخلق حالة من التنافس الحاد على موقع الرئاسة في الانتخابات وقد يؤدي إلى الفوضى والانقلابات الدموية ما لم يكن هناك استقرار وممارسة للديمقراطية وأحزاب قوية قليلة العدد وتحظى بقبول جماهيري.

أما المبحث الثالث تناول نظام الجمعية الوطنية ، ومن الواضح أن موضوع هذا المبحث لم يكن ضمن عنوان ورقة العمل هذه! والحقيقة أن الباحث قد انطلق مبدئيا من هدف التركيز على النظامين النيابي والرئاسي لاعتقاده بأن ما يطرح بصفة متواترة على المستويات السياسية كافة منذ سنوات في موضوع اصلاح شكل النظام السياسي يتركز أساساً على خياري النظامين ، كما أن للباحث وجهة نظر بخصوص عدم جدوى تطبيق نظام الجمعية في اليمن نتيجة أسباب عدة يمكن استنتاجها من خلال العرض الموجز لاحقاً ، ومع ذلك فقد تناول الدراسة نظام الجمعية الوطنية وأظهر التقسيمات المتعارف عليها للسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية لكنها بصورة مختلفة عن النظامين النيابي والرئاسي فالجمعية الوطنية هي السلطة التشريعية التي بيدها جميع السلطات وينبثق عنها لجنة (الحكومة) ، تعين من قبل الجمعية وتمارس المهام التنفيذية والقضائية .

وقد خصص المبحث الرابع لدراسة النظام السياسي الحالي في الجمهورية اليمنية انطلاقاً من النصوص الدستورية ، حيث استعرضت الدراسة شكل النظام السياسي في اليمن" الواقع وآفاق المستقبل"ويمكن الإشارة -بصفة أولية– في ما يتعلق بشكل النظام السياسي في اليمن إلى أن دستور الجمهورية اليمنية قد نص على الآتي: يتم انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب في انتخابات تنافسية ، وذلك لا ريب يظهر أهم ملمح للنظام الرئاسي ، ولكن واقع الحال يشير – وفق مواد الدستور أيضاً– أن النظام السياسي في اليمن لا يبدو رئاسياً خالصاً, وذلك ما سيتضح من خلال محاولة الباحث تناول المواد التي تعالج هذه المسألة ضمن الدستور.

أولاً: النظام السياسي في اليمن ومظاهر النظام الرئاسي : بالنظر إلى بعض مواد الدستور الحالي للجمهورية اليمنية يمكن تحديد عدد من مظاهر النظام الرئاسي المعاصر من خلال النظر – بصفة خاصة- في طبيعة بعض الاختصاصات التي منحها الدستور للرئيس, وذلك على النحو التالي:


1-انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب بموجب المادة (108) التي نصت على: "يتم انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب في انتخابات تنافسية". وهذا يعطي موقع رئيس الجمهورية اليمنية أهمية محورية لأنه يستمد قوته الدستورية من الإرادة الشعبية المباشرة التي منحته الثقة , كما يجعل رئيس الجمهورية أكثر تحرراً من الضغوط التي تمارس من مراكز القوى التقليدية والأحزاب ، ويجعله يميل إلى مصالح الشعب أكثر من رضوخه لمطالب تلك القوى التي قد لا تتفق أهدافها دائما مع أهداف الجماهير العادية من أبناء الشعب.

2- حق رئيس الجمهورية في تعيين رئيس الوزراء بموجب المادة (119) الفقرة رقم (4) التي نصت على أن من مهام رئيس الجمهورية: "تكليف من يشكل الحكومة وإصدار القرار الجمهوري بتسمية أعضائها", غير أن هذا الحق مقيد بمنح الثقة من السلطة التشريعية.

3- يحق لرئيس الجمهورية أن يطلب من الحكومة تقريراً عن المهام التي أنجزتها بموجب المادة (122) التي نصت على ما يلي: "يحق لرئيس الجمهورية أن يطلب تقارير من رئيس الوزراء تتعلق بتحقيق المهام المسئول عن تنفيذها مجلس الوزراء".

4-مسئولية رئيس الوزراء والوزراء أمام رئيس الجمهورية بموجب المادة 133 التي نصت على أن : "رئيس الوزراء والوزراء مسئولون أمام رئيس الجمهورية ومجلس النواب مسئولية جماعية عن أعمال الحكومة".

5- حق رئيس الجمهورية دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء المجلس النيابي وذلك بنص المادة (119) الفقرة رقم (2) "دعوة الناخبين في الموعد المحدد إلى انتخاب مجلس النواب".

6- حق دعوة المجلس النيابي للانعقاد من قبل رئيس الجمهورية وبنص المادة رقم (70) من دستور الجمهورية التي نصت على : "يعقد مجلس النواب أول اجتماع له خلال اسبوعين على الأكثر من إعلان نتائج الانتخاب ، بناءً على دعوة من رئيس الجمهورية فإن لم يدع اجتمع المجلس من تلقاء نفسه صباح اليوم التالي للأسبوعين المذكورين ، كما يدعو رئيس الجمهورية المجلس للانعقاد في حالات الظروف الاستثنائية بموجب نص المادة (74) التي نصت على: "يعقد مجلس النواب دورتين عاديتين في السنة، كما يجوز دعوته لدورات انعقاد غير عادية".

7- حق فض دورة الانعقاد العادية قبل مدتها فيما عدا الربع الأخير من السنة المالية قبل اعتماد الموازنة العامة للدولة وذلك بنص المادة (74) من الدستور التي نصت على:".... ولا يجوز فض دورة الانعقاد خلال الربع الأخير من السنة قبل اعتماد الموازنة العامة للدولة".

8-حق حل المجلس النيابي: أجاز دستور الجمهورية اليمنية لرئيس الجمهورية حل المجلس النيابي عبر الاستفتاء وذلك بنص المادة (101) التي نصت على : "لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس النواب إلا عند الضرورة وبعد استفتاء الشعب".

9- حق رئيس الجمهورية طلب إعادة النظر في أي مشاريع قوانين صادق عليها مجلس النواب وقد نصت المادة (102) على: "لرئيس الجمهورية حق طلب إعادة النظر في مشروع قانون أقره مجلس النواب".

ثانياً: النظام السياسي في اليمن ومظاهر النظام النيابي : يشير واقع الحال في النظام السياسي اليمني إلى وجود عدد من مظاهر التوازن والتعاون والشراكة وكذا الرقابة المتبادلة في ما بين السلطتين التنفيذية والتشريعية, وتلك لا ريب تعد من مظاهر موجودة في إطار النظام النيابي ، وسنحاول حصر بعض تلك المظاهر من خلال النقاط التالية:

1- جواز الجمع بين عضويتي السلطتين التنفيذية والتشريعية.

2- حق توجيه الأسئلة إلى الحكومة مجتمعة أو الوزراء منفردين وذلك بنص المادة رقم (96) من الدستور: "مجلس الوزراء مسئول مسئولية جماعية وفردية ولكل من أعضاء مجلس النواب أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو نوابهم أسئلة في أي موضوع يدخل في اختصاصهم، وعلى من يوجه إليه السؤال أن يجيب عليه ولا يجوز تحويل السؤال إلى استجواب في نفس الجلسة".

3- حق الاستجواب بنص المادة (97) من الدستور: "لكل عضو من أعضاء مجلس النواب حق توجيه استجواب إلى رئيس الوزراء أو نوابه أو الوزراء لمحاسبتهم عن الشئون التي تدخل في اختصاصهم".

4- حق إجراء التحقيق: بنص المادة رقم (95): "لمجلس النواب بناءً على طلب موقع من عشرة أعضاء على الأقل من أعضائه أن يكون لجنة خاصة أو يكلف لجنة من لجانه لتقصي الحقائق في موضوع يتعارض مع المصلحة العامة، أو فحص نشاط إحدى الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة أو وحدات القطاع العام والمختلط أو المجالس المحلية، وللجنة في سبيل القيام بمهامها أن تجمع ما تراه من أدله وأن تطلب سماع من ترى ضرورة سماع أقواله، وعلى جميع الجهات التنفيذية والخاصة أن تستجيب لطلبها، وأن تضع تحت تصرفها لهذا الغرض ما تملكه من مستندات أو بيانات".

5- حق سحب الثقة بنص المادة (98): "لمجلس النواب حق سحب الثقة من الحكومة، ولا يجوز سحب الثقة إلا بعد استجواب يوجه إلى رئيس الوزراء أو من ينوب عنه ويجب أن يكون الطلب موقعاً من ثلث أعضاء المجلس..".

6- حق توجيه التوصيات العامة للحكومة وذلك بنص المادة (93): "لمجلس النواب حق توجيه التوصيات للحكومة في المسائل العامة أو في أي شأن يتعلق بأدائها لمهامها أو بأداء أي من أعضائها وعلى الحكومة تنفيذها فإذا استحال عليها التنفيذ بينت ذلك للمجلس".

7- عضو مجلس النواب يمثل الشعب كله بنص المادة (57): "عضو مجلس النواب يمثل الشعب بكامله ويراعي المصلحة العامة ولا يقيد نيابته قيد أو شرط" .

إذاً,من خلال العرض السابق لبعض أهم ملامح النظام السياسي في اليمن يمكن التأكيد على أن ذلك النظام يعد نظاماً رئاسياً مطعماً بعدد من مظاهر النظام النيابي. وبالتالي فهو نظام رئاسي مختلط, أو نظام رئاسي مطعم بمظاهر نيابية. وعند هذه النقطة يبرز السؤال المركزي في هذه الدراسة: ما هو شكل النظام السياسي الأمثل لليمن؟! وذلك في ظل ظروف الحراك السياسي المتصاعد, وسعي كافة ممثلي القوى السياسية والمجتمعية التي يحتويها قوام مؤتمر الحوار الوطني الشامل باتجاه تحديث مظاهر النظام السياسي القائم وتحفيز إمكاناته باتجاه صياغة المستقبل الذي يستوعب طموحات كافة أبناء المجتمع.

ثالثاً: النظام السياسي الأمثل لمستقبل اليمن

من خلال العرض سالف الذكر لخصائص النظامين النيابي والرئاسي, وبالنظر إلى طبيعة النظام السياسي اليمني الرئاسي المطعم بمظاهر النظام النيابي , ، فإن رئيس الجمهورية ينبغي أن يستمد قوته من الشعب والنصوص الدستورية ، لأن النظام النيابي يجرد رئيس الجمهورية من الصلاحيات وهذا في اعتقاد الباحث يتنافى مع جوهر النظام السياسي في الإسلام حيث أن الحاكم يقوم بدور هام في تصريف شؤون الدولة في أمور الدين والدنيا على حد سواء ، وذلك بالتوجيه والإشراف على الحكومة أداة الدولة لتنفيذ أهدافها الإستراتيجية العليا ، ويعتقد الباحث أن أهمية رئيس الدولة تكمن في :

- المشاركة في تكوين الإرادة الكلية العامة للمكونات البشرية في الدولة.

- الحفاظ على وحدة المكونات الجغرافية للدولة.

- توحيد حركة المكونات السياسية في الدولة باتجاه وحدة الصف.

وبناء على معطيات الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي الراهن لليمن, يميل الباحث إلى الأخذ بالرأي القائل بأن النظام السياسي الأكثر ملاءمة لظروف اليمن ولتحقيق أهداف الانتقال باتجاه مستقبل مستقر وآمن ومتطور هو : نظام رئاسي مع قوة المجلس النيابي, بحيث تُعزّز في إطار هذا النظام المقترح قوة المجلس النيابي وسلطاته التشريعية والرقابية على حساب أجزاء مؤثرة من صلاحيات رئيس الجمهورية القائمة وفقاً لمعطيات النظام الحالي ، وسيحاول الباحث في السطور التالية بيان بعض من أهم الأبعاد التي يراها مؤيدة لوجهة النظر تلك, وتقديم مجموعة من البدائل التي يرى أهمية استيعابها لتعزيز قوة النظام السياسي المقترح ، ولا ريب أنها ستظل وجهة نظر قابلة للأخذ والرد والتعديل , وذلك هو هدف حلقة النقاش التي نحن بصددها.

-لماذا النظام الرئاسي بمجلس نيابي قوي؟ : بداية لا بد من التأكيد على إن مسألة تحديد النظام السياسي الأمثل لليمن ليست في المقام الأول موقفاً سياسياً أو رغبة ذاتية تفضيلية, بل هي عملية فنية علمية منهاجيه في المقام الأول؛ إذ لا يمكن المجادلة بشأن ضرورة إخضاع تلك المسألة لآراء ذوي الاختصاص انطلاقاً من معطيات الواقع اليمني الراهن بكل تعقيداته, واحتساباً أيضاً لتطلعات المستقبل وطموحاته.

ومن ذلك المنطلق فإن الباحث يعتقد بأن أول خطوة في مسلسل تحديد النظام السياسي الأمثل لليمن لا بد أن تنطلق من دراسة أهم مدخلات واقع المجتمع اليمني بكافة إحداثياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسكانية..... الخ, وذلك وفقاً لرؤية منهاجيه منضبطة وموضوعية ، ومعلوم لدينا – كملاحظة استثنائية في هذا المقام- أن في جامعة صنعاء ومراكزها البحثية المتخصصة وكذا الجامعات اليمنية الأخرى الكثير مما يمكن تقديمه في مجال دراسة وتقييم مدخلات واقع المجتمع اليمني, انطلاقا من معياري: الخبرة العلمية والتطبيقية لدى كادرها الأكاديمي المتخصص , والإدراك المنطقي لذلك الواقع في وجدان وثقافة ذلك الكادر.

ولا ريب هنا أن حدود استيعاب ورقة العمل هذه (حيزاً وزمناً) تظل قاصرة عن إلقاء الضوء على كافة تلك المدخلات, وبالتالي فستتم الإشارة في النقاط التالية -بصورة مقتضبة- إلى بعض أهم تلك المدخلات التي يرى الباحث فاعلية تأثيرها باتجاه الأخذ بالرأي المنحاز لخيار النظام الرئاسي بقوة المجلس النيابي ومن ذلك :



1- دور القوى التقليدية وجماعات المصالح وموقعها في إطار التركيبة المجتمعية:

لا جدال بتاتاً في حجم التأثيرات الملموسة والقوية التي تمارسها القوى التقليدية وعلى رأسها القبيلة في إطار مكونات النظام السياسي من مواقع غير رسمية ، ويعلم الكثير من المتخصصين والمهتمين أن القبيلة في اليمن لا تعد شراً بذاتها كما قد يصور لها البعض , فهي بكل بساطة أساس النسيج الاجتماعي لكل فئات المجتمع وشرائحه , وهي المحطة الأبرز في صياغة تاريخ اليمن منذ القدم ، فالقبيلة لم تكون على الدوام مكوناً غريبا على اليمن (الأرض والإنسان والدولة) ، والقبيلة بحكم طبيعة تكوينها السوسيولوجي عادة ما تنزع إلى الاستقلالية وتنازع الاختصاص الاجتماعي - في الأساس- مع المؤسسات الرسمية في الدولة ، وذلك أمر قد يبدو طبيعيا في كثير من الظروف , ومن المؤكد أنه لا يمكن أن يصنف أي تنازع من ذلك النوع في خانة الانتقاص من اختصاصات الدولة خاصة عندما يتعلق ذلك التنازع بممارسة القبيلة لدور تقليدي ايجابي كحل النزاعات وإنهاء الثارات وعمليات التحكيم القبلي التي تمنع وصول الكثير من قضايا الخصومة إلى دهاليز القضاء, وتتم في الأساس وفقاً لأسس يقرها القانون والشرع.

ولكن عندما تتحول القبيلة إلى اللعب في ميدان السياسة وفقاً لمبدأ العصبية فعندها لا يمكن الحديث عن أية ايجابية في ذلك ؛ إذ غالباً ما تتحول القبيلة حينها إلى عامل معطل ومعرقل لتجذر مفهوم الدولة ذاته ، وتتحول (أي القبيلة) أيضا إلى مركز بديل غير منصف ولا مستقر لإدارة النزاعات السياسية وإقرار التسويات غير العادلة نظراً لاختلال معايير الحكم التي تتبناها القبيلة وفقاً لمبادئ العصبية والانكفاء على المصالح الفئوية لأبنائها.

وهذا هو المشاهد الراهن في اليمن, فإن هناك حاجة حقيقية لتوفير مركز سلطوي قوي منضبط دستورياً يستطيع أن يحمي مفهوم الدولة وإن في حدودها الدنيا ، وذلك لن يتحقق – من وجهة نظر الباحث- في ظل نظام نيابي سيعطي إمكانية تأثير أقوى للقبيلة بوصول مرشحيها بقواهم التي سيكسبها القوة وفق موجبات النظام النيابي ، ما قد يعني نقل آليات وقواعد القبيلة في مجال العمل السياسي إلى المكون المؤسسي للدولة , وذلك بلا شك لن يشكل إضافة ايجابية لذلك المكون ، ولا يعتقد الباحث أن تجريد رئيس الجمهورية من كل الصلاحيات يحقق الاستقرار الحكومي الذي يحقق التنمية المستدامة.

وهناك جانب آخر للمسألة متمثلاً في دور جماعات المصالح المتوقع بروزه بشكل مؤثر في ظل نظام نيابي؛ إذ أن وصول مراكز النفوذ المالي إلى البرلمان في ظل السلطات الواسعة التي سيتمتعون بها قد يعني تحويل مسار العمل التشريعي والسياسي المؤسسي باتجاه خدمة مصالح رأس المال, وقد يؤدي إلى ظهور ما يسمى بحكومة رجال الأعمال ، كما أن ذلك قد يعني غياب تمثيل مصالح الفئات الأقل قدرة على الحراك السياسي والمجتمعي والاقتصادي , وهذا لا ريب سيفرغ أهم أهداف الدولة من مضمونه المتمثل في خدمة هذه الفئة في ظل حقيقة أن اليمن تعد من الدول الأقل نمواً أو الأكثر ثراءً بحجم الفئة الفقيرة بين سكانها.

3- عامل توازن القوى الفعلي في إطار التركيبة السياسية المعقدة:

لا ريب أن أهم عوامل ضبط إيقاع الأداء في ميدان العمل السياسي بصفة عامة هو توازنات القوى الفعلية في إطار المجتمع السياسي ، ومن المعلوم أن اليمن واحدة من دول قليلة على مستوى العالم تحتوي تركيبة توازنات قوى معقدة؛ إذ تتقاطع تلك التوازنات ما بين المؤسسات الرسمية ممثلة بأجهزة الدولة ذات الصلاحيات "السلطوية" ومؤسسات المجتمع غير الرسمية كالقبيلة ومراكز النفوذ بانتماءاتها المختلفة التي تمتلك العديد من مقومات الفعل "القهري" وعلى رأسها السلاح بمختلف أنواعه وأحجامه ، ولا ريب أن المؤسسات غير الرسمية ومراكز النفوذ لم تكن على الدوام في وئام مع صلاحيات وسلطات المؤسسات الرسمية في ظل تضارب المصالح ، وبالتالي في حال اعتماد النظام النيابي الذي يشكل فيه المجلس النيابي مركز الثقل الأساس في إطار النظام السياسي ويجرد رئيس الدولة من الصلاحيات , وفي ظل وصول ممثلي مراكز القوى تلك إلى المجلس النيابي كما هو المتوقع, سيكون من المنطقي انتقال تأثير توازنات القوى تلك وسيطرتها من أطرها التقليدية غير الرسمية إلى صلب النظام السياسي بهياكله وأنماط أدائه ، وإذا ما أضفنا إلى ذلك المشهد حقيقة ضعف تجذر مفهوم الدولة المزمن في ظل صعوبة الانتقال (في المدى المنظور على الأقل) إلى حالة الدولة القوية التي تستطيع بسط سلطانها على كافة مكوناتها الجغرافية والبشرية؛ فإن تأثير تسرب توازنات القوى إلى المجلس النيابي في ظل النظام النيابي ستكون معيقة بلا ريب لإمكانيات تعزيز التطور والتنمية والاستقرار.

ولعل من المنطقي والحال كذلك أن يمتلك النظام السياسي عامل توازن وكبح لجماح التأثيرات السلبية لتقاطع توازنات القوى ما بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وكذا مراكز النفوذ, وهو هنا لن يكون سوى رئيس قوي منضبط دستورياً يستمد سلطاته وصلاحياته من الشعب مباشرة, ويمثل مصالحه دونما تمييز أو منطلقات ذاتية أو فئوية.

4- مستوى الوعي السياسي للمجتمع وطبيعة ثقافته السياسية:

إن حقيقة تركز السلطات في المجلس النيابي في إطار النظام النيابي وتحمله بشكل مباشر مسئولية قيادة الدولة باتجاه تحقيق أهداف المجتمع , تشير إلى أهمية أن يكون نواب الشعب الذين يمارسون تلك السلطات والصلاحيات على قدر عال من الكفاءة السياسية والمهنية. وواقع الحال أن الحرص على تحقيق ذلك الاختيار أو الانتقاء يعود في المقام الأول إلى الهيئة الناخبة ممثلة بجماهير الشعب بمختلف شرائحها ، وفي ظل حقيقة تدني مستوى الوعي السياسي بمعانيه العميقة في المجتمع اليمني كما هو الحال في أغلب مجتمعات الدول الفقيرة , وكذا طبيعة الثقافة السياسية التي تتخللها قيم القبلية والعصبية غير الواعية ؛ فإن فرص وصول الكفاءات إلى المجلس النيابي تظل محدودة وهنا قد لا يحقق المجلس النيابي المسيطر على السلطات التشريعية والتنفيذية في الدولة الجدوى والمنافع المتوقعة من وجوده.

5- حجم المهام الوطنية الكبرى الراهنة لتحقيق الاستقرار والتنمية:

في ظل خروج اليمن من أزمة سياسية طاحنة لعله من الضرورة بمكان – من وجهة نظر الباحث- وجود مركز ثقل موحد ومستقل قادر على اتخاذ قرارات سياسية حاسمة سيحتاجها اليمن في مسيرته نحو تعزيز الأمن والاستقرار والتنمية الشاملة ، ومثل ذلك الأمر لا يُنتظر أن يتحقق بسهولة في ظل النظام النيابي الذي عادة ما يعاني من آفات التنازع والاختلاف الذي يمتد إلى مفصل الذراع التنفيذي , بل ويعاني كذلك من آفة "الحكومات الائتلافية" التي غالباً ما تولد حالة من عدم الاستقرار الحكومي , بل والنيابي أحياناً , خاصة في ظل الخارطة السياسية الحالية التي تظهر تراجع الرصيد الجماهيري لعدد من الأحزاب ، وكذا ظهور عدد لا بأس به من الأحزاب الجديدة "الصغيرة نسبياً", ما يشير إلى احتمالات متناقصة لسيطرة حزب واحد على الأغلبية في المجلس النيابي , والدخول بالتالي في دوامة الحكومات الائتلافية ، ناهيك أيضاً عن احتمالات إنهاك موازنة الدولة في حال إجراء انتخابات مبكرة متكررة عادة ما يلجأ إليها النظام السياسي عند الوصول إلى طريق مسدود في إدارة الخلافات ما بين الحكومة والمجلس النيابي اللذين ينتميان أصلاً إلى نفس المكون وهو المجلس ذاته, أو في حال العجز عن تشكيل حكومة ائتلافية من الأساس.

5- تعزيز التكامل والاندماج الوطني:

في ظل حالة التململ ألمناطقي الراهنة–إن جاز التعبير- من المحتمل أن يشكل النظام النيابي مثاراً لتعزيز الشعور بالانتماء ألمناطقي التمييزي لدى عدد من أعضاء المجلس النيابي في ظل القوة الاستثنائية التي سيتمتعون بها (تشريعية-تنفيذية). وبالتالي فقد يتحول أولئك النواب باتجاه نقل ذلك الشعور كأمر واقع في إطار صياغتهم لاتجاهاتهم ولمواقفهم الضاغطة إزاء سياسات المجلس النيابي والحكومة بما يخالف موجبات تحقيق التكامل والاندماج الوطني. وقد يكون العكس صحيحاً في حال وجود رئيس قوي منضبط الصلاحيات والسلطات دستورياً يستطيع تمثُّل رؤية موحدة إزاء أبناء الشعب كافة بما يعزز التكامل والاندماج الوطني.

مبادئ مقترحة لتعزيز فعالية النظام السياسي المقترح:

هناك في واقع الحال العديد من المبادئ التي يمكن تمثيلها في إطار الهيكل الدستوري والقانوني للنظام السياسي الذي نقترحه وهو بالطبع "النظام الرئاسي مع قوة السلطة التشريعية" الذي يضمن وجود رئيس قوي منضبط الصلاحيات والسلطات دستورياً,يقابله مجلس نيابي قوي يستطيع كبح جماح السلطة التنفيذية وعلى رأسها الرئيس ذاته ، ويمكن بصفة عامة القول بأن تحقيق مثل هذا النظام يمكن أن يتم عبر تطوير شكل النظام الحالي من خلال انتزاع ما يقارب 30% من صلاحيات وسلطات رئيس الدولة وطرحها على الجلس النيابي ، و في ما يلي إجمال تلك المبادئ في عدد من النقاط المطروحة بالطبع للنقاش.

1- تقييد صلاحيات رئيس الدولة في الصرف من المال العام.

2- تقييد صلاحيات رئيس الدولة في التعيين في المناصب القيادية في الدولة.

3- تعديل شروط الترشُّح للمجلس النيابي من خلال نظام وإجراءات انتقائية لأفضل الكفاءات.

4- تعزيز استقلالية السلطة القضائية وكفاءتها.

5- تعزيز استقلالية الأجهزة الرقابية وكفاءتها, وتفعيل مبدأ الرقابة ووظيفتها في كافة أجهزة الدولة بما فيها السلطتين التشريعية والقضائية.

6- توفير نمط فاعل ومتوازن من الاستقلالية للمؤسسات ذات الطبيعة الخاصة كالإعلام وحقوق الإنسان.

الخاتمة:

وختاما لعرضنا التحليلي في متن ورقة العمل هذه لا بد من التأكيد على أن ميل الباحث لتزكية خيار النظام الرئاسي الموازي لقوة المجلس النيابي وفق ما بينته الورقة لا يعني مطلقاً سوء النظام النيابي لذاته بقدر ما يعني أن ذلك النظام لن يُجدي تطبيقه في اليمن في ظل ظروفه الراهنة ومكونات بيئاته السياسية والاجتماعية والثقافية القائمة ، وذلك أيضاً لا يلغي بالضرورة وجود نماذج ناجحة بالفعل لتطبيق النظام النيابي في دول أخرى من العالم لها ظروف تطورها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي المختلفة عن مثيلاتها في اليمن ، فأي شكل للنظام السياسي لا يعد حسناً أو سيئاً لذاته بقدر ما يكتسب جاذبية أو نفوراً هنا أو هناك وفقاً لاحتياجات الدول والمجتمعات ومستويات تطورها وظروفها الخاصة.

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة في هذا المقام إلى حقيقة أنه ليس من الضرورة بمكان عند اعتماد شكل النظام السياسي المقترح أو غيره أن يتم التقيد بصورة آلية بمقومات هذا النظام أو ذاك؛ إذ أنه من الممكن, بل ومن المنطقي أن تُمارس عملية تكييف منهجية بالتعديل والحذف والإضافة لكثير من تلك المقومات بما يتلاءم وظروف الدولة والمجتمع المراد صياغة أسس نظامهما السياسي ويتلاءم مع الخصوصية الجغرافية والبشرية لتلك الدولة، وبالتالي فمن الممكن تعزيز مكون النظام السياسي الرئاسي مع قوة المجلس النيابي "المقترح" بما يمكن أن يعزز من كفاءته وتحقيقه لأهداف المجتمع في المرحلة الراهنة وفي المستقبل مع الحفاظ بالطبع على أهم مرتكزاته المميزة له عن غيره من النظم السياسية الأخرى.

التوصيات :

ـ توصي الدراسة عند النظر في تزكية شكل النظام السياسي الأمثل لليمن, أن تدرس بعناية ظروف الواقع اليمني بكافة أبعاده ومدخلاته, بعيدا عن محاولة النقل الحرفي لأشكال أنظمة سياسية التي طبقت في دول أخرى قد تتفق وظروف اليمن وقد لا تتفق.

ـ توصي الدراسة بضرورة الوقوف أمام نصوص الدستور الحالي بعناية للاستفادة من مميزاته، وعدم الاعتماد على العاطفة في النظر إلى محتواه، وضرورة التركيز على النافع والمفيد لمستقبل الأجيال.

- توصي الدراسة بضرورة الاهتمام بمعالجة قانون الانتخابات العامة بما يضمن التحديث المستمر ويحقق الكفاءة المطلوب لإدارة العمليات الانتخابية .

ـ توصي الدراسة بضرورة عمل مؤسسات الدولة المختصة وقوى المجتمع المختلفة على دمج الو لاءات القبلية والحزبية والمذهبية في الولاء الكلي لليمن .



تلك كانت أبرز النتائج والتوصيات التي توصلت إليها الدراسة، فإن وفق الباحث في طرح المفيد النافع فذلك بفضل من الخالق جل وعلا، وإن جانبه الصواب فيما طرحه من البيانات والمعلومات والتحليل والاستنتاج، فيكفي أنه قد حرص على فتح المجال لإثراء الموضوع وسد جوانب النقص فيه بإذن الله من خلال ما سيتم طرحه من ملاحظات قيمة خلال حلقة النقاش.



والله من وراء القصد,,,,,


*أستاذ العلوم السياسية المساعد

مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية جامعة صنعاء

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
انشر في تيليجرام
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر

مختارات
شاهد مصانع الارتقاء للبلاستيك - فيديو
صعدة برس - خاص
شاهد بالفيديو.. تفاصيل عملية "فجر الإنتصار" بمأرب
صعدة برس - وكالات
جرائم العدوان السعودي الأمريكي على اليمن خلال 2000 يوم "انفوجرافيك"
صعدة برس-متابعات
ست سنوات على العدوان على اليمن.. خسائر بالجملة
صعدة برس
شاهد.. ابشع مجزرة بحق 34 طفل و10 نساء بمنطقة صبر – صعدة
صعدة برس
ابشع مجزرة يرتكبها طيران العدوان السعودي في اليمن بحق معزين بالصالة الكبرى بصنعاء
صعدة برس
شاهد..جريمة قصف العدوان السعودي الأمريكي مديرية الجراحي جنوب الحديدة
صعدة برس
مشاهد مروعة لمجزرة طيران العدوان السعودي في مدينة يريم بإب
صعدة برس
شاهد..جرائم العدوان السعودي الامريكي في اليمن (حجة)
صعدة برس
شاهد..Saudi Arabia crimes in Yemen جرائم التحالف السعودي في اليمن
صعدة برس
شاهد..جرائم العدوان السعودي الامريكي في اليمن (حجة)
صعدة برس
جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(شبكة صعدة برس الإخبارية)