من نحن  |  الاتصال بنا
آخر الأخبار

 - تفتيت أم إنقاذ؟: هل تنجح تجربة "الأقاليم الستة" في اليمن ؟

الخميس, 13-مارس-2014
صعدة برس-متابعات -
كتب/ د. حمود ناصر القدمي
كان أحد مُخرَجات الحوار الوطني الذي استمر من 18 مارس 2013م وحتى 25 يناير 2014م هو الاتفاق على شكل الدولة المستقبلية لليمن، فرغم أن لنظام الحكم في الدولة البسيطة مميزاته وعيوبه، فكذلك للنظام الفيدرالي مميزاته وعيوبه، لذلك اتفق المتحاورون على أن يكون نظام الأقاليم أو الولايات هو النظام الأنسب، مع التأكيد على أن وحدة اليمن هي أساس متين لا يمكن تجاوزه، لهذا جاء نص البيان الصادر عن لجنة الحوار بتاريخ 7 يناير 2014م مؤكدًا على ضرورة (تضمين الدستور الجديد نصوصًا قاطعة تصون وحدة اليمن، وهويته، أرضًا وإنسانًا، وتمنع أية دعاوى تخل بذلك).


وقد تم تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم، هي: إقليم أزال، ويضم أربع محافظات، هي: ذمار، وصنعاء، وعمران، وصعدة. وإقليم سبأ، ويضم ثلاث محافظات هي: الجوف، ومأرب، والبيضاء. وإقليم الجند، ويضم محافظتي تعز، وإب. وإقليم عدن، ويضم أربع محافظات هي: عدن، ولحج، وأبين، والضالع. وإقليم تهامة، ويضم أربع محافظات هي: الحديدة، وحجة، والمحويت، وريمة. وإقليم حضرموت، ويضم أربع محافظات هي: حضرموت، وشبوة، والمهرة، وسقطرى. أما أمانة العاصمة فلها إدارة خاصة باعتبارها عاصمة الاتحادية.

الأسباب المؤدية إلى الأقاليم الستة:

إن أهم الأسباب التي دعت المتحاورين إلى اختيار نظام الأقاليم تعود للسلوك السيئ الذي اتخذته السلطة المركزية عبر الزمن، فقد كانت سياسة التهميش هي السياسة السائدة للحكومة المركزية، ولم تكتفِ هذه السياسة بالتهميش والحرمان من مشاريع التنمية الاقتصادية، بل تعدى ذلك إلى التهميش السياسي، فقد كانت العاصمة ومحيطها الجغرافي المجند الرئيسي للسلطة التنفيذية، كما أن السياسة الإقصائية التي اتبعها النظام السابق في المحافظات الجنوبية بعد حرب 1994م، وكذا تركه المجال لقلة من المتنفذين للاستيلاء على الأراضي، وتسخير الثروة البحرية لبعض المقربين من النظام من خلال قيامهم بالتعاقد مع شركات أجنبية لاستغلال الثروة البحرية للتربح، في حين ترك هذا القطاع دون تنمية تذكر؛ كل تلك التصرفات أدت إلى نوع من الجفاء بين مركز الدولة وباقي المناطق، خاصة المناطق الطرفية على مستوى الجمهورية بشكل عام، مما دفع كثيرًا من القطاعات الشعبية من المحافظات الجنوبية خاصةً إلى الدعوة إلى الانفصال. وكون هذه الممارسات هي ممارسات خاطئة للقائمين على السلطة، ولم تكن هناك خلافات مجتمعية، فقد جاءت نتائج الحوار لتؤكد على بقاء الدولة اليمنية دولة موحدة، مع اتخاذ شكل الدولة الفيدرالية سبيلا إلى تدعيم سلطة الأقاليم في مواجهة السلطة المركزية، وبالتالي إعطاء هذه الأقاليم نوعًا من الاستقلالية المالية والإدارية في إدارتها الذاتية.

المعوقات المتوقعة:

لا شك أن هذا النمط من التحول في شكل الدولة وتركيبتها الجغرافية، ستكون له معوقاته، خاصةً في ظل عدم وجود تجارب إقليمية حديثة تكون نبراسًا يُهتدَى بها، إضافةً إلى ظروف المنطقة العربية التي عاشت خلال فترة ما بعد الاستقلال وقيام الدولة الحديثة خلال السبعين عامًا الماضية، فقد عاشت الشعوب العربيةهذه الحقبة الزمنية في ظل دولة مركزية شديدة، مع تهميشٍ واضحٍ لباقي المناطق، خاصة مناطق الأطراف، لذلك يمكن أن نرصد عدة معوقات موضوعية تواجه هذه التجربة تتمثل فيما يلي:

1- مراكز القوى التقليدية في النظام السابق: تتمثل هذه القوى في مراكز المصالح التي عاشت خلال الفترة الماضية والتي كانت تنعمُ بخيرات البلد وثرواتها، والتي ترى أن هذه الخطوة ستفقدها مصالحها لأن هؤلاء هم أكثر المتضررين من التغيير الذي سيقضي على أحلامهم في الاستئثار بالمزايا والثروة والجاه، حيث نجد أن هذه القوى بمن فيهم قادة الحزب الذي حكم البلاد خلال العقدين الماضيين يشنون هجومًا عنيفًا على موضوع تقسيم البلاد إلى أقاليم، بحجة أن هذا التقسيم هو مقدمة لإعادة انفصال الجنوب، أو لتفتيت اليمن إلى دويلات، لذلك نجد أن هذه القوى وبضغط خارجي وداخلي وافقت مكرهة على مخرجات الحوار.

2-فقدان المؤسساتية: فترة الحكم الطويلة للنظام السابق أفقد مؤسسات الدولة فاعليتها، وساهم في هدم هذه المؤسسية، لذلك سيواجه نظام الأقاليم هذه المعضلة عند بنائه مؤسسات الدولة على مستوى المركز والأقاليم، فقد كانت شخصنة الوظائف وحصرها في المقربين وأصحاب الولاءات في إدارة الدولة هي السمة السائدة خلال الفترة الماضية، يزداد الأمر سوءًا في إدارة الأقاليم؛ حيث كانت وما زالت خاضعة لسلطة المشايخ والشخصيات المقربة من السلطة المركزية، وهي تقع خارج الهيكل الإداري للسلطة الرسمية، وقد أدى ذلك إلى انعدام المؤسساتية لسلطة الأقاليم في هذه المناطق، وهو ما سيكون عائقًا في تأسيس مؤسسات حكومية حديثة دون المرور بتجارب سابقة.

3- النزاع القانوني حول التشكيل والصلاحيات: سيواجه نظام الدولة الاتحادية الجديد نزاعًا دستوريًّا وقانونيًّا، حيث توجد بعض التناقضات في نصوص مخرجات الحوار الوطني قد تُفضي إلى نزاعات مستقبلية عند وضع الدستور، وقانون الأقاليم. فعلى سبيل المثال نجد أن أحد مخرجات فريق القضية الجنوبية نص في المبدأ السابع على أن (يتمتع كلّ مستوى من مستويات الحكم، المركز والإقليم والولاية، بسلطة تنفيذية وتشريعية )وتمثيلية في الولاية(وإدارية ومالية مستقلة يحدّدها الدستور، بما فيها سلطة مناسبة لجباية الضرائب)، بينما نجد أن فريق بناء الدولة لم يشر نهائيًّا إلى وجود سلطة تشريعية على مستوى كل إقليم، واكتفى بالنص على أن (يكون للوحدات الإدارية مجالس منتخبة، تتولى الإشراف وإدارة شئون هذه الوحدات توجيهًا وتخطيطًا ورقابةً باستقلال تام في القرار المالي والإداري، وتخضع في أداء مهامها لرقابة حكومة الإقليم)، وهذا النص يُشير إلى انتخاب سلطة إدارية للأقاليم فقط، دون ذكر للسلطة التشريعية الخاصة بالأقاليم، كما أنه عند النص على السلطة التشريعية في باب بناء الدولة تناول فقط السلطة التشريعية المركزية المكونة من غرفتين مركزيتين؛ (مجلس نواب) وفقًا لعدد السكان، و(مجلس أقاليم) بمقاعد متساوية لكل الأقاليم.

4- اقتسام الثروة: سيكون أهم المعوقات التي ستواجه النظام الاتحادي القادم هو الاتفاق على كيفية اقتسام الثروة بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم، خاصة الثروات المعدنية والنفطية، حيث تسعى الأقاليم التي تتركز بها هذه الثروات إلى الاستئثار بما نسبته 50% فأكثر من عائدات هذه الثروة، بينما نجد أن بعض الأقاليم تفتقر إلى مثل هذه الموارد، فإقليم (أزال) على سبيل المثال يتركز في قمة السلاسل الجبلية الممتدة من شمال اليمن إلى حدود إقليم الجند، وهو يكاد يكون خاليًّا من أي ثروات نفطية، وكذلك إقليم الجند، بينما يستأثر إقليما حضرموت وسبأ بما نسبته 80% من الثروة النفطية، مما يعني الدخول في نزاع حول اقتسام هذه الثروات بين الأقاليم الفقيرة والغنية من جهة، وبينها وبين الحكومة المركزية من جهة ثانية.

5- معارضة بعض القوى للتقسيم الحالي: هناك بعض القوى أبدت معارضتها لهذا التقسيم، رغم الإعلان عن أن هذا التقسيم نهائي ولا رجعة عنه بعد إقراره من قبل اللجنة المشكلة لهذا الغرض، إلا أن جماعة أنصار الله (الحركة الحوثية) أعلنت معارضتها لهذا التقسيم؛ حيث كانت تهدف إلى تشكيل إقليم واحد يضم محافظة صعدة (معقل الحركة) مع محافظتي (الجوف) الغنية بالنفط و(حجة) المطلة على البحر الأحمر؛ إلا أن التقسيم الذي أقرته اللجنة جعل محافظة صعدة أحد مكونات إقليم أزال الذي يضم محافظات: صعدة، وعمران، وصنعاء، وذمار، كما أن بعض أبناء محافظة ذمار اعترضوا على ضم محافظتهم إلى إقليم أزال، وكانت الرغبة في ضمهم إلى إقليم سبأ الغني بالنفط، في حين نجد أبناء منطقتي عتمة ووصاب التابعين لمحافظة ذمار يطالبون بضمهم إلى إقليم تهامة، بينما نجد أن أبناء محافظات المهرة وسقطرى عبروا عن رغبتهم في أن يكون تشكيل إقليمهم تحت اسم إقليم المهرة بعيدًا عن إقليم حضرموت، كل هذه التوجهات ستكون عقبة أمام الدولة الاتحادية الجديدة.

6- التفاوت السكاني والجغرافي: عند النظر إلى تقسيم الأقاليم الذي أقرته اللجنة، من الملاحظ وجود هوة واسعة بين إقليم وآخر من حيث كثافة وندرة السكان، وكذا بين الاتساع الجغرافي وضيقه، وهذا التفاوت سيمثل عقبةً في سبيل نجاح هذا النموذج في النظم الاتحادية، حيث سيكون هناك تفاوت في نسبة موازين القوى البشرية والطبيعية، إضافة إلى الثروة كما سبق توضيحه، والجدول التالي يوضح هذه الفوارق.


جدول يوضح التوزيع السكاني والمساحة على مستوى كل إقليم دون أمانة العاصمة




وبذلك يتضح أن أكبر إقليم من حيث عدد السكان إقليم تهامة، وعدد سكانه يزيد على ما نسبته 26% من سكان الجمهورية، بينما أصغر إقليم من حيث عدد السكان إقليم سبأ، وعدد سكانه لا يتجاوز 7% من مجموع سكان الجمهورية، أما من حيث المساحة فنجد أن إقليم حضرموت يستأثر بحوالي ثلثي مساحة الجمهورية بما نسبته 65.56%، بينما أقل الأقاليم مساحة هو إقليم الجند، ومساحته لا تتجاوز 2.76% فقط.

7- هيكلة الجيش: نصت المادة الثانية من قرارات فريق أسس بناء الجيش والأمن ودورهما على أن (يتم التمثيل في القوات المسلحة والأمن والمخابرات في المرحلة التأسيسية % 50للشمال و% 50للجنوب على مستوى المراتب القيادية في الجيش والأمن والمخابرات، ما عدا ذلك % 50للسكان و% 50للجغرافيا(وهذه إشكالية أخرى ستواجه الدولة الاتحادية، بما فيها من شروط لتقسيم ومحاصصة المناصب القيادية في الجيش خلا الفترة التأسيسية، وما سيتبع ذلك من إشكاليات عند التحول من المحاصصة بين الشمال والجنوب، والمحاصصة السكانية والجغرافية، والآلية التي سيتم اتباعها في هذه المحاصصة، خاصةً أن هناك ولاءات متعددة لأفراد القوات المسلحة، قبليةً ومناطقيةً وسياسيةً، وقد ظهر ذلك جليًّا في انقسام الجيش أثناء الصراع بين القوى المطالبة بالتغيير والنظام السابق.

8-الجماعات المسلحة: تمثل الجماعات المسلحة التي تستخدم السلاح كأداة لتحقيق أهدافها ومشاريعها داخل البلاد أكبر العوائق وأشدها خطورة على مستقبل الدولة الاتحادية، ومن هذه الجماعات جماعة القاعدة، والحراك الجنوبي المسلح، وجماعة الحوثي، وبالرغم من أن جماعة الحوثي قد انخرطت في لجنة الحوار الوطني، فإن رفضها قرارَ التقسيم، وعدم توقيع ممثلها على هذا القرار، يشير إلى أن لهذه الجماعة أهدافًا غير معلنة، والدليل على ذلك هو سعي هذه الجماعة للسيطرة على مساحات واسعة خارج محافظة صعدة، إضافةً إلى امتلاكها آليات عسكرية ثقيلة من دبابات وصواريخ من المفترض ألا تملكها إلا الدولة فقط، وكل ذلك يشير إلى أن هذه الجماعة وجماعتي القاعدة والحراك الجنوبي المسلح ستمثل جميعها تحديًا كبيرًا تجاه فرض سيادة الدولة، ونزع سلاحها، وإخضاعها لسلطة الحكومة.

السيناريوهات المحتملة:

يمكن أن تمر البلاد بثلاثة سيناريوهات على النحو التالي:

الأول: نجاح هذه التجربة، وقد يكون الدعم الإقليمي والدولي للعملية السياسية ولتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وفقًا للمبادرة الخليجية؛ هو أحد أهم الضغوط التي تُمارَس على القوى المتصارعة على السلطة، بحيث تنصاع للسير في عملية التوافق، وما يؤيد هذا السيناريو هو صدور قرار مجلس الأمن رقم 2140 الذي أقر تشكيل لجنة عقوبات دولية يكون من مهامها التأكد من الأطراف التي تقف عقبة أمام تنفيذ مخرجات الحوار، أو تسعى لإفشال العملية السياسية، وفرض عقوبات دولية عليها تحت البند السابع.

الثاني: فشل هذه التجربة، وهو ما يعني الدخول في صراع مناطقي قبلي بوجود جماعات مسلحة تسعى لفرض وجودها، مما يعزز هذا السيناريو، وقد يؤدي ذلك إلى (صوملة) أو (لبننة) القضية اليمنية، خاصةً في ظل الخلاف الدائر بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي صاحب المبادرة، والذي وقف في الفترة الماضية داعمًا لحل الأزمة اليمنية بالطرق السلمية.

الثالث: استمرار الحالة كما هي، وتمديد الفترة الانتقالية، والدخول في توافقات جديدة قد تغير من الشكل الحالي الذي تم اعتماده في تقسيم البلاد إلى ستة أقاليم، وقد يكون هذا السيناريو ناتجًا عن عدم استقرار مجلس التعاون الخليجي، كون بلدان مجلس التعاون الخليجي تمتلك من الثروة ما يجعلها قادرةً على التأثير في مراكز القوى المتصارعة في اليمن من خلال دعمها لهذه الأطراف بغرض تحقيق أهداف في صراعاتها السياسية التي ظهرت أخيرًا بين دول المجلس، مما ينعكس على تسوية الأزمة اليمنية.
عن/المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية


أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
انشر في تيليجرام
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر

مختارات
شاهد مصانع الارتقاء للبلاستيك - فيديو
صعدة برس - خاص
شاهد بالفيديو.. تفاصيل عملية "فجر الإنتصار" بمأرب
صعدة برس - وكالات
جرائم العدوان السعودي الأمريكي على اليمن خلال 2000 يوم "انفوجرافيك"
صعدة برس-متابعات
ست سنوات على العدوان على اليمن.. خسائر بالجملة
صعدة برس
شاهد.. ابشع مجزرة بحق 34 طفل و10 نساء بمنطقة صبر – صعدة
صعدة برس
ابشع مجزرة يرتكبها طيران العدوان السعودي في اليمن بحق معزين بالصالة الكبرى بصنعاء
صعدة برس
شاهد..جريمة قصف العدوان السعودي الأمريكي مديرية الجراحي جنوب الحديدة
صعدة برس
مشاهد مروعة لمجزرة طيران العدوان السعودي في مدينة يريم بإب
صعدة برس
شاهد..جرائم العدوان السعودي الامريكي في اليمن (حجة)
صعدة برس
شاهد..Saudi Arabia crimes in Yemen جرائم التحالف السعودي في اليمن
صعدة برس
شاهد..جرائم العدوان السعودي الامريكي في اليمن (حجة)
صعدة برس
جميع حقوق النشر محفوظة 2024 لـ(شبكة صعدة برس الإخبارية)