صعدة برس -متابعات -
هل “دعابة” الدكتور اياد مدني حول ثلاجة السيسي هي التي أطاحت به من رئاسة منظمة التعاون الإسلامي؟ نشك في ذلك.. فهناك أسباب مصرية سعودية أخرى جرى تجنب الحديث عنها.. والرجل “ضحية” لها ومجرد “كبش فداء”

:

نادرا ما تحتل منظمة التعاون الإسلامي وانشطتها العناوين الرئيسية في الصحف، وصدر نشرات الاخبار في المحطات التلفزيونية، ونجزم بأن الغالبية الساحقة في العالم الإسلامي لم تسمع بها، او تعرف بوجودها، ولكن امينها العام الدكتور اياد مدني خرج عن القاعدة قبل أيام عندما أراد ان يكسر الرتابة، ويتحلى بخفة الظل، وهي صفة ليست معروفة عن معظم المسؤولين السعوديين، الذين يميلون الى الجدية والقتامة والمحافظة عليها في المناسبات الرسمية، فجاءت النتائج عكسية تماما، وابرزها اقالته من منصبه في زمن قياسي، وانهاء حياته السياسية على الأرجح.

القصة بدأت قبل أسبوع، واثناء افتتاح مؤتمر لوزراء التعليم في الدول الإسلامية بحضور الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، عندما زلت لسان الدكتور مدني مرتين: الأولى، عندما اخطأ في اسم الرئيس التونسي ونعته بالسيسي بدلا من السبسي، والثانية، عندما حاول ان يصحح هذا الخطأ بدعابة، واعرب عن امله “ان تكون ثلاجته مليئة بما لذ وطاب”، وعلى عكس ثلاجة الرئيس المصري الذي قال انه ظلت خاوية لعشر سنوات الا من الماء، وانطبق عليه المثل الذي يقول “جاء يكحلها عماها”.

ولان العلاقات المصرية السعودية تمر بمرحلة من التدهور هذه الأيام، فشلت في اخفائها محاولات “الترقيع″ من الجانبين، وتأصل شعور لدى النخبتين السياسية والإعلامية، بل وحتى عامة الشعب، في مصر بان السلطات السعودية تتعامل معهم بفوقية وغطرسة، وعقلية “التابع والمتبوع″، كان من الصعب على هذه “الدعابة” ان تمر دون ان يتم التقاطها، والانطلاق منها لتوجيه “حِزَم” (بكسر حرف الحاء وفتح حرف الزين)، من السهام الى المملكة العربية السعودية من قبل الاعلام، وتضخيم حجم “الإساءة”، والمطالبة يإقالة الدكتور مدني الذي تطاول على مصر، الدولة المؤسسة للمنظمة التي يرأسها.
وزارة الخارجية المصرية ممثلة بالوزير سامح شكري صبت المزيد من الزيت على النار الإعلامية المتشددة (من المؤكد بإيعاز رسمي) بإصدار بيان ادانت فيه “تصريحات” الدكتور مدني، واعتبرتها “تجاوزا جسيما في حق دولة مؤسسة لمنظمة التعاون الإسلامية”.

اعتذار الدكتور المدني للرئيس عبد الفتاح السيسي وتأكيده في بيان رسمي انه لم يقصد الإساءة للقيادة الرسمية ممثلة به، وان ما قاله جاء من قبيل “المزاح” لا اكثر لم يشفع له، لا عند الرئيس السيسي، ولا عند حكومته السعودية، التي “تخلت” عنه بعد اول مقال انتقادي في الصحافة المصرية، واقالته من منصبه، وهيأت البديل فورا وهو الدكتور يوسف احمد العثيمين، وجاء الترحيب المصري اسرع من سرعة الضوء.

هذه الواقعة تعكس عدة أمور ابرزها مدى قوة الاعلام المصري كسلاح سياسي فعال، خاصة في نظر السعودية ودول الخليج، قادر على إيصال المزاج الرسمي ورسائله رغم كل الانتقادات الموجهة اليه، وضخامة الإمبراطوريات الإعلامية السعودية والخليجية العملاقة، والمليارات التي تنفق عليها من خزائن الدول، اضافة الى مدى ضعف السلطات السعودية امامه، وتأثرها بحملاته، ومواقفه، وهي التي لا تتردد في خوض حروب وانفاق عشرات المليارات تغطية لنفقاتها في دول أخرى مثل سورية واليمن والعراق وليبيا.

نختلف كليا في هذه الصحيفة “راي اليوم” مع الدكتور مدني ومنظمته، ليس لأنه زار الأراضي الفلسطينية والقدس المحتلة فقط، وانما ايضا لأنه ومنظمته، تصرفا دائما كإدارة ملحقة بوزارة الخارجية السعودية، وتبنيها سياساتها ومواقفها حرفيا، ولم يمثلا العالم الإسلامي، مثلما هو مفروض منهما، ورغم ذلك نجزم بأنه كان ضحية خلاف سياسي بين قوتين اقليميتين، وربما لو اقدم على هذه “الدعابة” في وقت آخر لمرت مرور الكرام، وربما اثارت ابتسامات الكثير من المصريين على رأسهم السيسي نفسه.

هناك مثل افريقي يقول “عندما تتصارع الفيلة يكون العشب هو الضحية”، ولم نقصد مطلقا تشبيه الدكتور مدني بالعشب، ونعتذر مسبقا عن أي “سوء فهم”، فنحن في زمن الاعتذارات على أي حال.