- غزة .. جمرة العرب الخامسة!

الجمعة, 18-يوليو-2014
صعدة برس -
*محمد رفعت الدومي
الخوف هو أعمق المشاعر الإنسانية ، من أجل هذا كان هو المصدر الجذريّ
للخرافات ، و من أجل هذا ابتكر الآباء الأوائل الكهوف لتحميهم من غضب
الطبيعة و أساليب الكائنات المفترسة ، و هم أيضاً ، و رغبة منهم في حماية
إضافية لا تكلف شيئاً ، ابتكروا الآلهة ليجعلوا منها بطقوس بسيطة يؤدونها
لها دروعاً تحميهم لوقت الحاجة ، لكنها دروع ذهنية بالتأكيد ..

مع ذلك ، في كل زمان و مكان ، كان هناك ألوان من التجمعات البشرية
المسكونة بإيقاع غريب ، أشبه بالنبضات المنعزلة ، بعض المنتمين لهذه
التكتلات هم الذين ابتكروا أدوات الصيد ، إذ رأوا أن خير وسيلة للدفاع
الأفضل ، و لتهدئة مخاوفهم من الحيوانات الأقوي هو تبادل المقاعد ، بمعني
آخر ، قرروا معاملة تلك الوحوش كفرائس لا أكثر ، و ما يحدث بعد ذلك
فليحدث ..

لسوء الحظ ، أمثال هؤلاء يعيشون دائماً علي هوامشهم الخاصة ، و يتحولون
عادة مع الوقت إلي قوميات خاصة ، و إن قوميات معنوية ، ترفض الذوبان في
الذاكرة الكلية و ترفض حتي تماهي أفكارها مع أفكار الآخرين ، بل و تعمل
علي حماية أفكارها من المد و الجزر ، كالغجر مثلاً ، و كـ " اليهود "
لقرون طويلة و حتي يومنا هذا ، و كـ " بني عامر " في الجاهلية ، و هي
واحدة من أربعة تكتلات قبلية عُرفت بـ " جمرات العرب " ، لأنهم كانوا
يخوضون الحروب دون تحالفات مع أي قبيلة أو قبائل أخري ، و الأهم من هذا ،
لأنهم كانوا ، متي مسَّهم بغيٌ من قبيلة أخري ، مهما كانت قوتها ، لا
يزنون المجازفات و لا يبحثون البدائل قبل الدخول في معركة أكيدة ، و كانت
نتيجة تلك المعركة آخر ما يفكرون به ..

و لو كان " بنو عامر " ممن يزنون المجازفات لأعلنوا الاستسلام فوراً حين
تحالفت ضدهم كل القبائل العربية تقريباً في معركة " شِعْب جبلة " ، لكن
ذلك لم يحدث ، بل خاضوا المعركة ببساطة الماء و انتصروا ، و لجلال هذا
الحدث الجلل ، تخيل ، قبيلة تنتصر علي كل القبائل العربية مجتمعة ، صار
يوم " شعب جبلة " هو اليوم الذي تؤرخ به العرب لمناسباتها الخاصة حتي
تواري في ظل تاريخ الهجرة الضخم !

و هكذا قوميات معنوية ، تفضل العيش علي هامشها الخاص ، لأنهم الاستثناء
لا القاعدة ، و لأنهم ، بنجدتهم و نبل أفكارهم في الغالب ، يفضحون ضحالة
الآخرين و نذالتهم ، كانوا ، في كل زمان و مكان ، منبوذين ، يحدق الآخرون
النظر إليهم بعيون سرية مزدحمة بالأحقاد ، و يكيدون لهم في الظلمة ، كحال
العاهرات مع ذوات العفة ، و كحال قبيلة " الإمارات " مع " غزة " ، فلقد
عرضت ، قيل ، علي " اسرائيل " ، كما يليق بقبيلة كلاسيكية ، أن تدفع كل
تكاليف الحرب علي هذه القومية ذات الميول التحررية التي تشكل خطراً علي
تراث القبيلة الفاشل ، كما طردت من مضاربها و خيامها الإسمنتية إمام مسجد
اقترف من فوق المنبر الدعاء لأهل " غزة " ، أولئك المنتمين لجماعة "
الإخوان المسلمين " ( الإرهابية ) ، تلك المتهمة بالسعي إلي نيل الحرية ،
و التي تسعي لتقسيم ( الوطن ) ، و هذا خبر أكيد !

عن أي عروبة بعد هذا الحدث الجلل يتحدث أصحاب الحد الأدني ؟ ، عن أي
عروبة أيها المغيبين تتحدثون بعدما أطلق الغدر بيننا صيحته ، و صارت
بيننا دماء قديمة و دماء جديدة و دماء تتهيأ للسيلان ، تمد جذورها في كل
مكان ؟

ربما اعتقد الذين لا يمضغون الواقع حتي القشرة الأكثر سمكاً أن " غزة "
حين تناصب قوة كـ " اسرائيل " العداء بصدور عارية و مفتوحة علي مصراعيها
لابد أنها مخطئة و غبية و عاجزة عن إدراك الفجوة الفادحة التي تفصل بينها
و بين عدوها ، و هذا الاعتقاد تحديداً يلتحم بالمعني الذي تقصده " حماس "
، فواقع المقاومة لا يعترف بحقيقة الصراع و لا التحديات ، إنه اتحاد بين
الأشياء و الإنسان من خلال المقاومة فقط ، يشعر المقاوم خلاله أنه مسئول
عن كل شئ ، و عن العالم و عن مصيره لا عن نفسه و عن قضيته فقط ، و هنا
فقط ، تلتقي الحياة و الموت في معني واحد ، فكلاهما خطوة علي الطريق ،
هذا ما لا يستطيع أن يدركه الفارغون إلا من المال ، أولئك الإضافيون ،
تلك الزوائد اللحمية علي جسد الدنيا ، و الحشو العفن في فراغات الإنسانية
الذي يمنح الآخرين معني لوجودهم ، و هذه هي فقط سعة موجتهم في محيط
الإنسانية ، تماثيل من رمل معجون ببول الكلاب الضالة و عرق العاهرات
لخصيان براقة لا أكثر و لا أقل ..

"غزة " جارتنا ، و " غزة " جمرة العرب الخامسة ، و " غزة " تشتري لنا
بدمها ، كلما تبهت مرايانا ، مرآة جديدة بحجم آلام الثكالي و غضب
الموتورين ، لنري فيها وجوهنا القبيحة و واقعنا العاهر ، و هي توقظ رنين
الأجراس كلما يخفت لتؤكد لنا حتمية استعادة ربيعنا الذي سرقوه بقوة
السلاح ، كما يسرق الشتاء من الأشجار فتنتها ، و جعلوا منه الخريف الأقل
جمالاً عبر العصور ، لكن النار التي ربما تولد الآن في العتمة ، سوف تحرق
كل شئ ، كل شئ ..

إن من الضروري أحياناً أن تصدح أصوات البنادق بذبذباتها الحادة لتتفاقم
في العيون هشاشة الخلفية الزائفة للمشهد الفاشل ، و يفصح عن قلبه كل خائن
، هكذا أظن ، و آخر ما أفكر فيه هو أهل " غزة " فالقتل لهم عادة ، و
لابد للأفكار العظيمة أن تكون آلاماً عظيمة ، و هي في هذا عكس الرغبات
الضحلة للبدو ، و ذيول البدو الخصيان الذين حصلوا علي أجورهم بإفراط ،
فهي محاطة بالفراغ ، و أقل خصوبة من البغال العقيمة ، و لسوف تخيب
مؤامراتهم إن عاجلاً أو قبل حلول عام " 2020 " علي أكبر تقدير ، و لسوف
تذهب خيامهم أدراج الرياح ، الرياح التي تجمع الآن روائح الجبال في زجاجة
" الشرق الأوسط الجديد " ، ولسوف تبقي "غزة " قومية أنيقة تسمو علي
الذاتية ، أشبه بالأساطير العظيمة الخالدة ..

لا شئ يحدث مرتين بنفس الطريقة ، لذلك ، لا تدق طبول الحرب علي " غزة "
هذه المرة ارتجالاً ، حتما سوف يستدير هذا الكلام في عقولنا عندما نأخذ
بعين الاعتبار السياق الزمني و الاجتماعي و الروحي الذي وُلد فيه هذا
الإيقاع الردئ ، إنها طعنة متعددة الأبعاد بمباركة عربية ، و من الداخل
الفلسطينيِّ ، للظاهرة الأردوغانية ، ظناً منهم أن صمت " تركيا " ، أو
علي الأقل ، شحوب موقفها من هذه الحرب مختلة الموازين ، سوف يوقف زحف اسم
" أردوغان " الأسطوري علي أفكار ممتلكاتهم الخاصة ، أعني نحن ، قطيعهم
الذي يتوارثونه كلباً عن ظهر كلب ، حتي أن اسم " أردوغان " احتل مؤخراً
مرتبة متقدمة بين أسماء المواليد في " غزة " ، و بسبب موقفه من الانقلاب
في " مصر " بطبيعة الحال ، و هذا وهمٌ سوف يتبخر بالتأكيد ..

إنه عقاب لـ " أردوغان " قبل أن يكون عقاباً لـ " حماس " علي موقفها من
الثورات العربية ، - أقول " العربية " بحكم شهرتها كمفردة لفظية دالة علي
منطقة جغرافية لا إشارة إلي انتماءات و جذور - ، و بسبب موقفها من
الثورات العربية ، خاصة ثورة " سوريا " ، خسرت "حماس " ، للأسف ، ظهيراً
صلباً ، كنت ، بصفة شخصية ، أتمني ، أكثر من أي وقت مضي ، أن يكسر هذه
المرة حرارة جبهة " غزة " بتسخين جبهة " جنوب لبنان " ، أقصد " حزب الله
" ، لكن ، يبدو أن الممسك بخيوط اللعبة يدرك جيداً أين يضع خطواته ، و
متي يقرر سيولة المشهد من كل جانب ، لعل ذلك أقرب من قعر شيوخ القبيلة
الحمقي ..

لا خوف علي " غزة " ، فلا تتباكوا من أجلها ، و لا شأن لكم بها ، إنها
سوف تتجاوز العاصفة ، و لها السابقات ، و سوف ترمم جرحها ، و عما قليل ،
سوف يشاهد العالم علي الشاشات السيد " محمود عباس " في ذكري تأسيس " حركة
فتح " وهو يضع " الكوفية " علي كتفيه ، و من خلفه مفتاح كبير ، يهتف من
فوق المنبر بأبيات درويش :

سجِّل .. أنا عربي / و رقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ / و أطفالي ثمانيةٌ و
تاسعهُم / سيأتي بعدَ صيفْ / فهلْ تغضبْ ؟

سجِّلْ .. أنا عربي / وأعملُ مع رفاقِ الكدحِ في محجرْ / و أطفالي ثمانيةٌ .......

الغريب أن العالم كله يعلم أن ابنيه " ياسر " و " طارق " من أثرياءه ، و
أن كليهما باشر تربية كل ثروته الأسطورية من العمل مع اليهود ، أو مع
الأمريكيين برعاية يهودية ، و يكفي أن تعلم أن من بين ممتلكاتهما ، "
سكاي للإعلان " ، و شركة " فيرست أوبشن بروجيكت كونستراكشن مانيجمينت " ،
و " مجموعة فالكون القابضة " التي تندرج تحتها ، " فالكون للاستثمارات
العامة " وتعمل في مجال الاتصالات ، و " فالكون إلكترو ميكانيك
كونتراكتينج " و مقرها " عمان " و تعمل في مجال المحطات و المولدات
الكهربائية ، و " فالكون جلوبل تلكوم " ، و " فالكون توباكو كومباني "
المتخصصة باستيراد كافة أنواع السجائر الإنجليزية ، و " فيرست فالكون "
للهندسة المدنية و الكهربائية و المقاولات و التجارة و مقرها " قطر " ، و
كذلك " femc " و مقرها " دبي " ، كل هذا غيض من فيض ، و عليه ، سجِّل ،
هو عربي ، يعمل مع رفاق الكدح في محجر !

من الواضح لكل ذي عقل أننا بصدد الحديث عن إمبراطور ، أو تاجر ، لا صاحب قضية !

لا تعجبني نظرتهم إلي القطيع ، كيف يتصرفون بهذه السطحية في وقت لم يعد
فيه شئ بحاجة إلي تأويل ، إن علاقة و لو سطحية لهذا الرجل بـ " ياسر
عرفات " تدفع كل عاقل للشك في قضية " ياسر عرفات " نفسه ، و تطعن ظاهرة "
أبو عمار " في الصميم ..

الحق بين ، كذلك الباطل ..


تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 29-أبريل-2024 الساعة: 02:48 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-20669.htm