- إتفاق الشرعية والانتقالي بالرياض.. قنبلة موقوتة وشرعنة للاحتلال السعودي الإماراتي..

الأحد, 17-نوفمبر-2019
صعدة برس - متابعات -
*عبدالعزيز المكي – كاتب سعودي
لقراءة إتفاق الرياض أو جدة الذي وقعه كل من جماعة عبدربه منصور هادي، أو ما يسمى بجماعة الشرعية المحسوبة على السعودية والمجلس الانتقالي المحسوب أو التابع للإمارات في الرياض في 5 تشرين الثاني 2019، وبحضور ورعاية بن سلمان ولي العهد السعودي وبن زايد ولي العهد الإماراتي…. لقراءة هذا الاتفاق المكون من عشرين بنداً وعدة ملاحظات ..لا بد أن نأخذ بالاعتبار ثلاثة تطورات، نعتقد أنها أساسية لفهم دوافع هذا الاتفاق وأهدافه، وخطورته على مستقبل اليمن، شعباً وجغرافياً، هي:
1- رفض أبناء الجنوب للاحتلاليين السعودي والإماراتي، خصوصاً في حضرموت والمهرة اكبر المحافظات اليمنية واكبر محافظات الجنوب ولقد جرّب الاحتلالان المذكوران كل الطرق والأساليب لخداع لناس في تلك المحافظات وفي كل المناطق التي تقع تحت سيطرة هذين الاحتلالين أو مرتزقتهما الشرعية أو جماعة الرئيس المخلوع هادي والمنهية صلاحيته والمجلس الانتقالي الذي يتزعمه عيدروس الزبيدي، من أجل أن يقبل الناس بالسعوديين والإماراتيين وقواتهم بين ربوعهم، والنظر إليهم على أنهم (محررين) لا محتلين، ذلك لأن وعي الناس في اليمن عالي المنسوب.

ومن جهة أخرى، أن المحتلين كشفوا نواياهم وأهدافهم وأطماعهم في اليمن من خلال تصرفاتهم، فهم لم يأتوا لغزو اليمن لاعادة ما يسمونه الشرعية ( هادي وزمرته ) ولم يأتوا (لتحرير الشعب اليمني) من جماعة الحوثي كما يطلبون في ورسائل أعلامهم وفي أحاديثهم الخاصة والعامة، زوراً ، وخدعة واخفاءاً للاهداف الحقيقية وهي السيطرة على ثروات اليمن ومصادرة سيادة الشعب اليمني واستقلاله، وقد تجلى ذلك بشكل واضح من خلال ممارسات هذين الاحتلالين، ومنها ما يلي :
أ- السيطرة على الموانئ البحرية اليمنية وعلى المناطق الحساسة ومصادرة الارادة اليمنية فيها، واستغلالها بها. يتناسب مع المصلحتين السعودية والإماراتية، فيما المصلحة اليمنية همست أو نُسيت تماماً، فحتى الموظفين اليمنيين الذين كان يعملون في هذه الموانئ منذ عقود أو منذ عهد علي عبد الله صالح أخرجوا أو طردوا من وظائفهم بحجة الشك بتعاونهم مع جماعة الحوثي، أو مع الطرف المؤيد للإمارات، أو ذلك المؤيد للسعودية، على خلفية إحتدام الصداع والتنافس بين الاماراتين والسعوديين على الكعكة اليمنية !!
ب- إضطهاد المواطن اليمني في تلك المناطق، فأن أي اعتراض يُزج به بالسجن أو يُقتل، أو يجري اغتياله، فالمناطق التي تحت سيطرة القوات السعودية يكون السعودي فيها هو المهيمن وهو المتحكم بشؤون الناس وبمصيرهم، وهو الذي يفرض عليهم خط الحياة ، ومناهج مدارسمهم وسلوكياتهم، وكذا الأمر بالنسبة للامارات، فقواتهم تمارس ابشع الاجراءات القمعية تجاه المواطنيين اليمنيين في المناطق التي تحت سيطرتها، لدرجة ان الامارات ذاع صيتها عالمياً، على مستوى الاوساط الاعلامية والسياسية، كسلطة احتلال قمعية وبشعة تجاه المدنيين في الجنوب، وتحدثت هذه الأوساط عن السجون الاماراتية التي يمارس فيها أبشع أنواع التعذيب بحق اليمنيين المعترضين على الاحتلال الاماراتي وعلى الاضطهاد الذي يُمارس بحق أبناء اليمن من القوات الاماراتية الغازية ومن أعوانها ومرتزقتها، وللاشارة فأن الأوساط المذكورة احصت اكثر من 300 سجن في مناطق الجنوب مُورست فيها كل اشكال التصفيات الجسدية لاحرار وحرائر ابناء الشعب اليمني في محافظات الجنوب.
ج- سلبت القوات المحتلة الاستقرار والأمن في المناطق التي تمركزت فيها فعلى سبيل المثال، أن محافظتي حضرموت والمهرة بعيدتان عن جبهات الحرب، ويعيش فيها الأهالي بشكل مستقر وبأمان، لكن حينما دخلت القوات السعودية وتمركزت في المهرة بحجة منع التهريب من سلطنة عمان، أي تهريب أسلحة ومواد غذائية للحوثيين، تبين ان ذلك مجرد حجة إنما سيطرت على الموانئ وعلى المواقع الحساسة بهدف إحكام قبضتها في السيطرة على المدينة وعلى كل مفاصلها وثرواتها، وحينما خرج أهالي المهرة يطالبون الاحتلال برفع ايديه وقبضته على شؤونهم ومدينتهم، قمعتهم السلطات السعودية بعنف مستخدمة اسلحتها المتطورة ، فقتلت ما قتلت وجرحت الكثير منهم، وكذا بالنسبة للإمارات في حضرموت أو في عدن، والقصص على ممارسات الاضطهاد السعودي الاماراتي للمواطن اليمني في الجنوب اكثر من أن تحصى أو تعد!
د- بالاضافة إلى تلك المعاناة، أرهقت أبناء الجنوب الصراعات والاشتباكات الدموية اليومية تقريباً بين مرتزقة السعودية من اتباع هادي، وبين مرتزقة الامارات مهد أتباع المجلس الأنتقالي أو الحزام الأمني، وباقي التسميات الأخرى، وهذه الصراعات هي انعكاس للصداع بين الامارات والسعودية، فكل منها يرى الاستئثار بالسيطرة والنفوذ في تلك المحافظات، فهذه الصراعات لم تعطل الحياة اليومية وتجعلها نظير الجحيم، ولم تعطل التنمية وبناء ما تهدم وحسب وإنما سلبت الاستقرار و الأمن من المواطن في تلك المناطق، لدرجة ان الكثير من هؤلاء المواطنين يقولون أنه حينما تخرج للعمل أو لقضاء الحاجات الضرورية لا نعلم سنعود إلى عوائلنا أم لا ..
كل هذه الأمور وغيرها جعلت الوجود السعودي الاماراتي مرفوضاً من قبل أبناء الشعب في تلك المحافظات، وقد لاحظنا في الآونة الاخيرة مؤشرات كثيرة، ولعل من أهمها تصاعد وتيرة المقاومة الشعبية والقبلية لقوات الاحتلال الاماراتي السعودي، في عدن والمهرة وحضرموت والضالع ومناطق أخرى، ما جعل ذلك الإمارات والسعودية تفكران بطريقة أخرى للتواجد وللاستمرار في احتلال هذه المحافظات.

2- الصراع الخفي بين الامارات والسعودية، كما اشرنا في السطور الماضية، والذي تحول إلى صراع علني وعلى المكشوف، تجلى في المعارك التي شهدتها عدن ومحافظات جنوبية أخرى، بين المجلس الإنتقالي التابع للامارات، وبين حكومة ما يسمى الشرعية، أي حكومة هادي المحسوب على السعودية ومن يدور في فلكها، حيث توج هذا الصراع، أو بالاحرى هذا الاشتباك العسكري بسيطرة الانتقالي على عدن وطرد جماعة هادي وحكومته ووزراء حكومته من عدن..
والقصة معروفة، وفي الحقيقة ان هذا الصراع بدأ من بداية العدوان على اليمن عام 2015 وظل يتمظهر مرة بقصف الطائرات السعودية لمرتزقة الامارات والفتك بهم، ومرة بقصف الامارات لمرتزقة السعودية من اتباع هادي، وفيها كان الطرفان يدعيان ان ذلك يحصل في الخطأ، الّا ان تكرار هذه الحوادث وهذه الاخطاء لدرجة انها أزالت الشك باليقين ان كل ذلك يحصل عهد سبق الإصرار حتى انفجر في عدن، وانفجرت معه الحرب الاعلامية بين جماعة السعودية وجماعة الإمارات واتضح كل شيء ..

هذا الصراع الناتج عن تباين اجندات واهداف المحتلين، أي السعودية والامارات من غزو اليمن، أضعف إلى حد كبير جبهة ما يسمى بالتحالف العربي، في وقت تصاعدت فيه قوة الحوثيين والجيش اليمني المتحالف معها على خلفية صمودهم الاسطوري، وعلى خلفية تطور صناعاتهم العسكرية، سيما في مجال الصناعات الصاروخية وصناعة الطائرات المسيرة بدون طيار، حيث قطعوا شوطاً كبيراً في هذا المضمار واثبتوا قدرات هائلة في هذا المجال في الحاق الأذى بالقوى المعادية لدرجة ان حتى العدو الإسرائيلي وعلى لسان رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو عبر عن القلق والخوف من الصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة التي بات الحوثيون يصنعونها، حيث قال انها أصبحت تشكل خطراً على الكيان الصهيوني، وذلك بعد ما لاحظ الضربات الدقيقة التي اصابت منشآت ارامكو في بقيق وهجرت خريص واوقفت نصف الأنتاج السعودي، أي خمسة ملاين برميل يومياً ..

كل ذلك جعل السعوديين والامارتيين يفكرون بطريقة اخرى تحفظ لهم وجودهم في اليمن، وتحفظ لهم مكتسباتهم التي حققوها في الجنوب، وذلك بلملمة هذا الصراع ومحاولة توحيد الجهود وانهاء التنافس بينهما وبين مرتزقتيهما في تلك المناطق والتفرغ للعدو (الحوثي) الذي بات يهددهم جميعاً .
3 – تصاعد الضغوط الدولية، وضغوط المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان على النظام السعودي لوقف العدوان على الشعب اليمني على خلفية الكوارث التي خلفها هذا العدوان، بسبب الحصار وبسبب تخريب البنية التحتية للبلد، وحرمان الشعب اليمني من أبسط مستلزمات ادامة الحياة من غذاء ودواء وحاجات ضرورية وما إلى ذلك، وفضلاً عن ذلك، الجرائم والمذابح الوحشية والمروعة التي يقترفها الطيران السعودي والاماراتي بحجة المدنيين العزل بين الحين والآخر. ولذلك لا يمر أسبوع إلا وهناك دعوات من اوساط سياسية اوربية أو حتى امريكية بوقف هذه الحرب، أما المنظمات الدولية، مثل منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس، ومجلس الحقوق الانسان وغيرها، فهي تصدر بين الحين والآخر تقارير مفصلة عن إرتكاب العدوان السعودي جرائم حرب بحق الشعب اليمني .. فهذه التقارير المتواترة وما تقوم به وسائل الاعلام الحرة في فضح الأجرام السعودي، كشفت للرأي العام دموية وبشاعة نظام الملك سلمان وابنه، الأمر الذي أسقط النظام أخلاقياً وفضح زيف ادعاءاته بالدفاع عن الاسلام ونزع منه عباءته الاسلامية وتلطيه ورائها طيلة هذه الفترة الماضية بادعاءاته خدمة الحرمين الشريفين، بينما هو في الواقع ألد أعداء هذين الحرمين .

وما زاد من وطأة هذه الضغوط على النظام أمران:

الأول: هو تكرس قناعة الغربيين ان النظام السعودي لا يمكنه الانتصار في هذه الحرب بل النظام نفسه بات مهدداً بعد التطورات الاخيرة التي شهدتها ميادين الحرب على الجبهات الداخلية والجبهات الأخرى في الأراضي السعودية.

والثاني: هو ان العدوان تحول إلى معول ينهش في جسم النظام السعودي، لانه تحوّل إلى عملية استنزاف للنظام على كل الأصعدة، لا سيما الاقتصادية والاخلاقية .. كل هذه الامور دفعت النظام السعودي إلى القيام بهذه الإتفاق بين جماعة هادي وجماعة عيدروس الزبيدي، لتحقيق عدة أهداف سلط المحللون والمتابعين الاضواء على اكثرها ولذلك، نمر عليها مروراً سريعاً، مع الاشارة إلى الامور التي غفلوا عنها إما سهوا أو عمداً ومن هذه الاهداف والدوافع ما يلي:-
1- محاولة صنع حد لتدهور الجبهة الداخلية للعدوان، بايقاف الصراع والتنافس بين مرتزقة السعودية ومرتزقة الامارات من اليمنيين، ومحاولة رصد جبهتهم تحت راية القيادة السعودية، كما تنص بنود الاتفاق، وذلك لتحقيق أمرين، أو أحداهما، وهما..

اولاً : محاولة توحيد الجهد العسكري ضد الحوثيين في جولته معارك جديدة،
والثاني : تمكين المرتزقة لكلا الطرفين من العمل وممارسة النشاطات على كل الاصعدة نيابة عن السعودية والامارات في تلك المحافظات الجنوبية، ما دام هؤلاء المرتزقة لا يحق لهم رفع أبرة من مكانها إلاّ بإذن السعودي والاماراتي كما ينص الاتفاق، وما دامت القيادة العسكرية بيد السعودي والاماراتي أيضاً كما اشرنا، ذلك ان النظامين السعودي والاماراتي وكما مر بنا باتا يدركان أن ليس بأمكانهم إستعمار البلد، أو بعبارة أدق تحقيق أطماعمهما في ثروات الشعب اليمني جغرافيته في الجنوب بشكل مباشر بسبب تصاعد الرفض الشعبي للاحتلالين السعودي والاماراتي، بمعنى آخر تكريس هذا الاحتلال من خلال هؤلاء المرتزقة، وللاشارة فأن وزير الدولة للشوؤن الخارجية الاماراتي أنور قرقاش كان قد تباهى بأن الامارات تركت 90 ألف مجند من الجنوبيين ينفذون مصالحها!!
2- لان التنافس السعودي الاماراتي سوف ينتهي بانهيار جبهة العدوان إتفق الطرفان على تقاسم النفوذ في اليمن ، ولذلك قررا وضع حد لهذا التنافس ومحاولة تمدد الآخر على حساب الثاني سيما بعدما أيقنت السعودية أنها لا يمكنها إلغاء الامارات من مشهد الجنوب اليمني، وبالتالي توصلا إلى هذه النتيجة التي لا أستبعد أن يكون للامريكي والصهيوني دور في تحقيقها بدفع الطرفين إلى التوافق وتقسيم الكعكة اليمنية بالتناصف!

3- تحجيم ما يسمونها حكومة الشرعية وتحوليها إلى فصيل موازي للمجلس الانتقالي صاحب الانقلاب على الشرعية وفق أدبيات وخطاب الشرعية، والاعتراف بهما كممثيلن للشعب اليمني، في المحافل الدولية، وتجاوز واقع التعقيدات القبلية والّالاءات وتعدد التيارات، لان قواسم الحصاد يتطلب تعين جهات محددة تتولى تنفيذ الأرادات لدول العدوان، التي باتت تتحرك لجني المكاسب بنهب النفط اليمني وتقاسم ايرادات الموانئ البحرية وغير ذلك من الثروات

4- فرض وصاية مباشرة سعودية وإماراتية على أمور المحافظات الجنوبية من خلال الحكومة التي ستشكل بالمناصفة بين الشرعية وبين المجلس الانتقالي كل منهما له 12 حقيبة وزارية من مجموع الحقائب الــ 24، وهذا ما كان قد حذر منه وزير الداخلية في حكومة هادي الحالية أحمد الميسري، حيث قال لا نريد حكومة تتحرك بأوامر السفير السعودي والجنرال الإماراتي أي سلب كل الصلاحيات والاختيارات من المرتزقة وتحوليهم إلى مجرد أدوات ينفذون الأوامر السعودية والإماراتية !!

5- التأسيس لتقسيم اليمن إلى شطرين جنوبي وشمالي، وإشغال الجنوبي بمحاربة الشمالي ليضل الشعب اليمني ينهش بعضه البعض الآخر، وليضل ضعيفاً متخلفاً محتاجاً للدعم السعودي والإماراتي، فهذه الحرب بالوكالة ان وقعت بين الشطرين، سوف توفر الفرصة لسعوديين والإماراتيين بتحقيق اطماعهما بسبب انشغال اليمنيين بعضهم بالبعض الآخر، ثم انها أي الحرب، ستكون عامل استنزاف وتضعيف للطرفين، وذلك ما يصب في صلب المصالح السعودية الإماراتية الأمر الذي يعني ان هذا الاتفاق يحتوي على ألغام كثيرة يمكن أن تؤدي، اذا لم يُحسن عقلاء اليمن التخلص منها إلى تفجير البلاد برمتها.. لكن وعي الشعب اليمني وتعاطيه الميداني والسياسي مع هذا الاتفاق يشير بما لا يقبل الشك أنه سوف يفوت على السعوديين والاماراتيين ومرتزقتهم تحقيق إهدافهم الخبيثة، وسوف يأتي اليوم الذي يكنسهم فيه ويطهر بلده منهم جميعاً ويرمي بهم في مزابل التاريخ.



()
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 28-مارس-2024 الساعة: 04:22 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-41389.htm