الأحد, 30-نوفمبر-2008
 - ما صحة قول أحدهم - مشخصاً حال الصحافة- إن المشكلة قيميّة أخلاقيّة أكثر منها مهنية فنية؟! وقول الآخر استناداً إليه: والحل أخلاقي أكثر منه أي شيء أخر؟! عبدالله السالمي -
يمكنك أن تقول: إنهم يقولون: «إن الصحافة مهنة مفتوحة»، غير أن هذا التعبير لن يعفيك من تسمية القائلين لو طلب منك ذلك.. فإذا لم ترد إسناد القول إلى قائله- على افتراض أن هنالك من سيطالبك بإسناده- إما لأنك تجهله، أو لا تجد أهمية لذكره، أو لسواهما من الأسباب التي ينبغي أن تستبعد منها شهرته التي يستدل بها من القول على شخصه والعكس..- فإن الأولى أن تقول في مثل هذا الحال:« قيل إن الصحافة مهنة مفتوحة».. وحد علمي بهذا الخصوص أن القيل - في عرف علماء أصول الفقه والحديث- يرد للتمريض، أو التقليل من شأن جملة مقول القول- وعند بعضهم أن القيل لا يأتي للمذهب- وراجعوا شروح كتاب الأزهار في فقه الهادوية الزيدية- فإذا وردت مسألة تتضمن خبراً أو حكماً أو أي شيء آخر مسبوقة بالقيل في طيّات حديث لمن عرف عنه الالتزام بمذهب معين فإنه لم يوردها على مذهبه.

أما في عرف الصحافة- كما هي عليه اليوم- فإن استشكال استخدام الـ«قيل» مكان الـ«قال» سيكون تشدداً لا معنى له.. كيف وهي التي تجاوزت بساطة الفارق الدلالي بين الـ«قيل» والـ«قال» ، إلى الحد الذي أصبحت معه تصنع من الشائعات والأكاذيب والأباطيل والأوهام حقائق صادقة ووقائع صحيحة تحسب أن فيها من الحق واليقين ما يردعك عن التشكيك فيها، أو الجدال حولها.

وتبعاً لذلك فليس ثمة مشكلة في إيراد مقولة «إن الصحافة مهنة مفتوحة» مسبوقة بقالوا، أو يقولون، أو قيل، أو يقال... فالمهم أنهم قد أجمعوا على الشهادة بفتحها، وإجماعهم حجة عليهم.. فإذا قيل: لقد أورد بعضهم دعوى الإغلاق. قلنا ردا عليه: وقد قيل- مرة أخرى- أن من ورد عنهم اعتقاد هذا القول هم في عرف هذه الفئة من الشواذ، والقائلون بالفتح هم الجمهور، أو السواد الأعظم.. وقديماً قالوا: الشاذ لا حكم له.. إذن ففتحها مما جرى به العرف، ولم يقم على خلافه دليل. فإذا لم تنطق به ألسنتهم فقد تواترت عليه أعمالهم ،وسكوت كبارهم عنهم دليل رضاهم بصنيعهم، فالسكوت علامة الرضى- ليس من البكر في شأن زواجها فحسب وإنما في هذا أيضاً- وهذا يكفي.. فإذا صح للباحث المجتهد- بعد التدقيق والنظر والتمحيص- أن ثمة خلافاً بصدد هذه المسألة فالأولى، أو الأوجب، عليه أن يصرفه حول تفاصيلها.. بمعنى صرف الخلاف حول حدود هذا الفتح أو الانفتاح وكيفيته، وممن، ولمن، ومع من؟ أما هو في ذاته فلا جدال عليه.

وبما يشبه الجد بعد ما قد يحسب على المزاح فالمؤكد- بتكرار القول وسبق إن والّلام المؤكدة- أن الصحافة لمهنة مفتوحة .. غير أنه إذا كان القصد بطلان القول بحصرها وقصرها على من درس في كليات الإعلام وأقسام الصحافة تحديداً فنعم.. أما أنها مفتوحة لكل من هب ودب ممن لا تحضره ارتعاشة الأنامل حين الإمساك بالقلم حال الكتابة على الورق فلا.. لان الصحافة - قبل القول وخلاله وبعده- مهنة لها أدواتها ومؤهلاتها ومقوماتها التي قد يعوض عدم اكتسابها والتدرب عليها في مقاعد الدراسة بالخبرة والتجربة والمران عليهما.. وفي الحالتين- مجتمعتين ومنفردتين- يبقى حضور الموهبة شيئاً ضرورياً.

وعليه.. فإنه لا يحسب على الصحافة في شيء من لم يمتلك شروط الانتساب إليها، ومؤهلات العمل فيها، مهما تظاهر بها وادعى.. فإذا صدر عنه- ولابد - ما يسيء إليها فلا يصح بأي حال من الأحوال إلصاق ذلك بها، أو افتراض مثله على الذين ينتسبون إليها بجدارة واقتدار.. فكما لا يمكن عزل الدخيل على هذه المهنة لا يصح افتراض خلوها من أهلها الحقيقيين.. وكما أن المناهج والقيم والمهن لا ينتقص منها أو يعيب عليها في ذاتها سلوك مشين من قبل من يحسب نفسه يتحرك ضمنها، ويسير وفق قوانينها، ويلتزم بآدابها.. كذلك لا ينتقص من قدر الصحافة وعلو شأنها وعظيم دورها انحرافات الدخلاء عليها، وتجاوزات المنتسبين إليها ظلماً وزوراً، فالصحافة تبقى مهنة جليلة ذات رسالة هامة.

ولأنه سيقال- وأحسب أن أجواء القيل والقال تلقي بظلالها عليّ الآن وروداً على غلطة البداية- إن الحديث عن شروط ومؤهلات يستدل بها على الأصيل من الدخيل أمر سهل، غير أن التحقق العملي إن لم يكن من المستحيل فمن الصعب.. فسأحيل قائل هذا القول إلى نقابة الصحفيين في اليمن ، وسؤالها عن ما إذا كان يمكنها وضع أجندة قابلة للتنفيذ تذلل صعبه أو تروضه في حالة ما إذا لو أصبح جامحاً.. ثم أليس للواقع قدرة فصل ما ينفع الناس عن الزبد الذي يذهب جفاءً ، ولو على المدى البعيد..؟!

ودعونا من هذا فالقضية جد شائكة.. لأنه من يضمن لنا أن من حاز شروط المهنة فنياً ومهنياً سيكون في مستواها أخلاقياً وسلوكياً؟! فدعوى أن الإساءة إلى الصحافة لا تصدر إلا من الدخلاء عليها مهنياً ليس بصحيح.. لأن من أهاليها المحترفين من يسيئون إليها أضعاف إساءة الدخلاء الهواة، أو العاطلين عن العمل إلا فيها «وفق القول: إن الصحافة مهنة من لا مهنة له» والفرق أن خطأ غير المتمرس يسهل كشفه، أما المحترف فليس الأخطر ألا يدع خطأه ينكشف، وإنما أن يلبسه ثياب الحق.. وتذكروا قول الشاعر الذي نسيت اسمه، وعساني أوفق في إيراد هذا البيت من شعره صحيحاً كما قاله هو:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *** على النفس من وقع الحسام المهند

وأخيراً فما صحة قول أحدهم - مشخصاً حال الصحافة- إن المشكلة قيميّة أخلاقيّة أكثر منها مهنية فنية؟! وقول الآخر استناداً إليه: والحل أخلاقي أكثر منه أي شيء أخر؟!
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 02-مايو-2024 الساعة: 06:30 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-76.htm