من نحن  |  الاتصال بنا
آخر الأخبار

 - الاعتراف بأرض الصومال وانعكاساته على اليمن..

الأحد, 14-ديسمبر-2025
صعدة برس - متابعات -
تزايدت المؤشرات مؤخرا حول اعتراف دولي محتمل بجمهورية أرض الصومال، حيث ألمح وزير الدفاع البريطاني السابق، غافن ويليامسون، إلى إمكانية اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، باستقلال أرض الصومال في نوفمبر 2024. تزامنت تصريحاته مع مواقف مؤيدة عبر عنها مسؤولون أمريكيون عملوا مع ترامب، مثل بيتر فام وتيبور ناجي، بالإضافة إلى تحركات من قبل مشرعين أمريكيين. كما توقع رئيس أرض الصومال أن بلاده ستحصل قريباً على أول اعتراف رسمي باستقلالها، ربما في غضون العام المقبل.

كانت أرض الصومال مستعمرة بريطانية سابقة، واتحدت مع ما كان يُعرف بأرض الصومال الإيطالية لتشكل جمهورية الصومال في عام 1960. عقب انهيار الحكومة المركزية في عام 1991، أعلنت أرض الصومال استقلالها، لكنها لم تحظَ باعتراف من الأمم المتحدة أو أي من الدول الأعضاء فيها.

إن اعتراف قوة عالمية مثل الولايات المتحدة بأرض الصومال يمكن أن يشكل سابقة للحركات الانفصالية ويؤثر على كيفية تعامل الدول الأخرى مع مثل هذه المشاريع، مما قد يحول النقاش من شرعيتها القانونية إلى فائدتها الجيوسياسية. من جهة أخرى، قد يدفع هذا الاعتراف المجتمع الدولي إلى إعادة تقييم معاييره الخاصة بتقرير المصير بحيث تأخذ في الاعتبار الاستقرار والسلامة الإقليمية.

ستكون هناك تداعيات ملموسة في اليمن لإجراء من هذا القبيل، حيث تتقاطع أجندات الانفصال النشطة والكامنة مع ديناميكيات الصراع والانقسامات المجتمعية والهوياتية الراسخة، ويعتمد كثير من الفاعلين على ضفتي البحر الأحمر على الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بصفتهما داعمين ماليين رئيسيين للفاعلين السياسيين والعسكريين في كل من اليمن والقرن الأفريقي.

من المرجح أن ترحب الإمارات باعتراف واشنطن، فقد استثمرت بكثافة في أرض الصومال، حيث تمتلك قاعدة عسكرية، وتدير موانئ رئيسية هناك وفي بونتلاند المجاورة، وقد زار رئيس أرض الصومال الإمارات في فبراير 2025، في أول رحلة خارجية له. يمكن للاستقلال أن يتيح لـ أبو ظبي فرصة لتوسيع مشاريعها الاقتصادية ونفوذها وحضورها البحري، بل قد تصبح أرض الصومال حليفاً استراتيجياً يدعم النفوذ والمصالح الإماراتية في الأراضي اليمنية.

في اليمن، تُعد الإمارات داعماً صريحاً للمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، ومن شأن اعتراف الولايات المتحدة بمشروع انفصالي آخر أن يحدث زخماً كبيراً لهدف المجلس المتمثل بإعلان دولة مستقلة في جنوب اليمن السابق. على الصعيد المحلي، قد يصعّد المجلس الانتقالي من جهود التعبئة والدعاية، بينما يتحرك لترسيخ رموز الانفصال ويتخذ خطوات أكثر جرأة نحو بناء مؤسسات مستقلة.

لقد تتبع قادة المجلس الانتقالي الجنوبي تقدم حركة أرض الصومال الانفصالية وساروا على خطاها في التواصل الدولي، حيث أعلن المجلس عن أول بعثة له في واشنطن في مايو الفائت، ووعد رئيسه، عيدروس الزبيدي، بفتح مكاتب مماثلة في دول أخرى. يمكن للمجلس أن يسعى إلى اعتراف متبادل مع أرض الصومال، مع التأكيد على تاريخهما المشترك كدولتين كانتا مستقلتين سابقاً. غير أن هذا الحماس يتعارض مع دعم الإمارات لفاعلين سياسيين آخرين، أبرزهم “المقاومة الوطنية” الداعمة للوحدة بقيادة طارق صالح.

قد يؤدي اعتراف الولايات المتحدة بأرض الصومال إلى إضعاف موقف أولئك الذين يدعمون دولة واحدة في اليمن، وأبرزهم القوى المؤيدة للوحدة داخل الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ومن المرجح أن يؤدي تمكين الفاعلين الانفصاليين إلى تعميق الانقسامات الداخلية في الحكومة وتعزيز التصورات بتراجع الدعم الدولي لشرعيتها، ومن ناحية أخرى سيصبح اعتماد الأحزاب المؤيدة للوحدة على المملكة العربية السعودية، الداعم المالي والسياسي الرئيسي للحكومة، أكثر رسوخاً.

لا تمتلك المملكة العربية السعودية مصالح أو استثمارات كبيرة في أرض الصومال، بينما تحتفظ بعلاقات أفضل مع الحكومة الفيدرالية الصومالية. نظرياً، يمكن أن تستفيد من مشاريع التنمية والبنية التحتية في أرض الصومال المستقلة، لكن النفوذ الإماراتي سيحد من فرصها ومساحة المناورة المتاحة لها. في حين تدعم السعودية وحدة اليمن خطابياً، فإن سياساتها وأفعالها على الأرض تشير إلى قبول ضمني محتمل بالتقسيم، فعلى مدى السنوات التي تلت تدخلها في اليمن، غضت الطرف عن تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي وإنشاء قوات خارج سيطرة الحكومة، ولم تصدر بياناً صريحاً يعارض انفصال الجنوب. كما تدعم جماعات تسعى إلى قدر أكبر من الحكم الذاتي في شرق اليمن. خلال اجتماع قبلي حضرمي واسع عُقد في شهر أبريل المنصرم، صرّح عمرو بن حبريش — وكيل المحافظة، ورئيس حلف قبائل حضرموت — بأن زيارته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية أكدت “تفهم المملكة ودعمها” لتطلعات حضرموت.

في ذات السياق، قد يشجع الاعتراف بأرض الصومال المشاعر الانفصالية الأخرى في اليمن، كما في حضرموت والمهرة، ويشجع الفاعلين المحليين على الضغط بقوة أكبر من أجل الحكم الذاتي أو الاستقلال. في غضون ذلك، قد تدفع المخاوف من تنامي نفوذ الإمارات والسعودية، وظهور كيانات تابعة لهما على طول حدودها، سلطنة عمان إلى تكثيف دعمها للجماعات المتحالفة معها في المهرة، وتشجيعها على السعي لتحقيق تطلعاتها الانفصالية كشكل من أشكال الدفاع الاستراتيجي. من أبرز هذه الجماعات “لجنة الاعتصام السلمي” برئاسة الشيخ القبلي علي سالم الحريزي، كما أن لعمان صلات بـ “المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى” برئاسة محمد عبد الله آل عفرار، سليل سلاطين المهرة. يطالب المجلس بإنشاء إقليم مشترك للمهرة وسقطرى في إطار الجمهورية اليمنية. في حضرموت المجاورة، يعارض معظم الفاعلين السياسيين إلى حد كبير الانفصال الجنوبي الأوسع، حيث تتعارض مطالبهم الإقليمية والهوياتية مع مؤيدي كل من يمن جنوبي جديد، ودولة موحدة.

في ظل حكومة ضعيفة وحركات انفصالية منتعشة، من المرجح أن يصور الحوثيون أنفسهم على أنهم القوة الوحيدة القادرة على مواجهة المشاريع المدعومة من الخارج والدفاع عن الوحدة الوطنية. قد يغريهم الارتباك في صفوف خصومهم بتوسيع سيطرتهم على الأرض، ولكن إذا أدى استقلال أرض الصومال إلى توسع النفوذ العسكري الأمريكي في المنطقة، فقد يعزز ذلك الأمن البحري في البحر الأحمر، مما يحسن موقف دول الخليج في مواجهة الحوثيين وحلفائهم الإيرانيين.

من غير المرجح أن يؤدي اعتراف الولايات المتحدة بأرض الصومال إلى تحولات فورية وكاسحة في المشهد السياسي اليمني، ولكنه قد يهيئ الظروف لتحولات كبيرة على المدى البعيد، ومن المستبعد أن تتخذ أي من السعودية أو الإمارات إجراءات متسرعة، لأن ذلك قد يقوض الهدوء الحالي ويهدد بعودة صراع أوسع، وهي نتيجة تحرص الدولتان على تجنبها. بالمقابل، من المرجح أن تجمع الرياض وأبو ظبي بين نهج الترقب والانتظار والتحرك الحذر لمنح المشاريع التقسيمية الحليفة لهما مساحة أكبر للمناورة والتعبير عن تطلعاتها. قد ترغب الإمارات في خفض التصعيد لتعزيز مصالحها في القرن الأفريقي، لكنها قد تواصل المساعدة في الجهود الدبلوماسية من أجل انفصال الجنوب في اليمن، وهو دور لعبته لصالح أرض الصومال نفسها. بينما قد تتحرك السعودية لتعزيز نفوذها في محافظات اليمن الشرقية، مما يسمح للحركات والمشاريع السياسية هناك بالتعبير عن تطلعاتها وتشكيل كيانات سياسية أقوى شبيهة بالمجلس الانتقالي الجنوبي.

خلاصة القول، إن الاعتراف بأرض الصومال قد يمنح الحركات الانفصالية زخماً جديداً، وقد تصبح القوى المؤيدة للوحدة أكثر انفتاحاً على اللامركزية والحكم الذاتي الإقليمي، لكن تعقيد البيئة السياسية في اليمن يخلق مخاطر أمام الفاعلين المحليين والإقليميين الذين يسعون لتحقيق هذه الأجندات، فعلى الرغم من استمرار الهدنة الفعلية، إلا أن الحرب لم تنتهِ. يبقى اليمن مقسماً بين سلطات لا تشترك في رؤية لمستقبله أو وحدته، وهو وضع من المرجح أن يستمر.

يأتي هذا التحليل ضمن سلسلة من الإصدارات التي يُنتجها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية بتمويل من حكومة مملكة هولندا. تتناول هذه السلسلة قضايا اقتصادية وسياسية وبيئية بهدف إثراء النقاش وصناعة السياسات المتعلقة باليمن بما يعزز السلام المستدام. لا تعبّر الآراء الواردة في هذا الإصدار بالضرورة عن مواقف مركز صنعاء أو الحكومة الهولندية.

عن مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
انشر في تيليجرام
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر

مختارات
شاهد مصانع الارتقاء للبلاستيك - فيديو
صعدة برس - خاص
شاهد بالفيديو.. تفاصيل عملية "فجر الإنتصار" بمأرب
صعدة برس - وكالات
جرائم العدوان السعودي الأمريكي على اليمن خلال 2000 يوم "انفوجرافيك"
صعدة برس-متابعات
ست سنوات على العدوان على اليمن.. خسائر بالجملة
صعدة برس
شاهد.. ابشع مجزرة بحق 34 طفل و10 نساء بمنطقة صبر – صعدة
صعدة برس
ابشع مجزرة يرتكبها طيران العدوان السعودي في اليمن بحق معزين بالصالة الكبرى بصنعاء
صعدة برس
شاهد..جريمة قصف العدوان السعودي الأمريكي مديرية الجراحي جنوب الحديدة
صعدة برس
مشاهد مروعة لمجزرة طيران العدوان السعودي في مدينة يريم بإب
صعدة برس
شاهد..جرائم العدوان السعودي الامريكي في اليمن (حجة)
صعدة برس
شاهد..Saudi Arabia crimes in Yemen جرائم التحالف السعودي في اليمن
صعدة برس
شاهد..جرائم العدوان السعودي الامريكي في اليمن (حجة)
صعدة برس
جميع حقوق النشر محفوظة 2025 لـ(شبكة صعدة برس الإخبارية)