- كتاب أمي…

الأربعاء, 06-أبريل-2022
صعدة برس -
*ليزا جاردنر
حين غُصْتُ في أعماق بحر كتاب أمي…
تلعثمتْ الكلمات في صدري…
وغاب الوعي عن عقلي واحترقت عروق دماغي داخل جمجمتي…!

وجدت حلمًا خائفًا، مدفوناً بين أوراقٍ مبعثرة…
ملطّخة بدم الحبر .. رُسمت عليها صور القمع والظلم والموت تحت صواريخ الدمار الشامل…!

لمحت في حلمي طفلة بغير وجه! تبكي بحرقة عند حافة بئر اللاوعي …!
تحاول جاهدة أن تشرب من ماء الحب …
دون أن تراه أو يراها ..!
هو حلم كابوسيّ يحوي حقيقة مرة مشوبة بحزن عميق يفوق عمق البئر..!

رأيت في حلمي أمي تخبز اوجاعها ..
داخل تنور يلسع يديها و يحرق ما تبقى من اظافرٍ متعبة وذابلة تتوق الى طلاء وردي ..!
تاهت أمي وشرُد معها فكرُها وعيناها الجميلتان تفيضان بالدموع الحارقة كحرقة ألْسنُة النيران الهائجة داخل ذاك التنور اللعين…! يحترق جسدها ليأكل اخوتي الخبز الطازج ..!

يا الهي، مع غزارة دموع أمي، تراءت لي صورة جزيرة العرب الدامية، الملتوية والبائسة..!
كانت صحراء البؤس بلا حدود وجراد الجهل بلا عدّ ينهش كلّ شئ…
يطير كالأعمى في كل صوب ونحب ليصطدمً بأجيال مفقّرة وأطفال مشوّهة الجسد، متصدّعة الهيكل و مختلّة العقل..!

يا أيتها الجزيرة المشؤومة…!!
أمام المنحدر الجبلي الحلزوني هناك عرضٌ لألبومات من الصّور، و أفلام الدعارة المُمَوّلة من ثروات البترول و الغاز و الحج…!
فرّجني الألبوم وأخبرني عن زيجات القصر العرفي..و ألوان الاغتصاب وأشكال الانحراف الجنسي ..!

شاهدت بتقنية عالية أشرطة عقود الجزيرة العربية.
و هي تتزين ليقبّلها “زوجها” أمام العالم الحقير..
و يغزو جسدَها المجروح من سنين الحروب و الخراب ..
و يطعن عينيها الجميلتين، ويمزق ثيابها المزدان بالجواهر والحليّ..!
بدت عندها الصورة واضحة وفاضحة لما نالته هذه الجزيرة “العروس”
من كدمات عنيفة شوهت جسدها المحروق و ندبت ضهرها الأحدب المنكوب..

داخل عينيها فاقدتي النور
لاحت أمي من بعيد تختبئ في زنزانة مظلمة …
خلف سنوات من الابتزاز و الحصار..!
لمحت الأقصى يدفن بالحياة..!
وفلسطين تُذبح مرّات ومرّات ..!
واليمن تئن وتصرخ بأصوات تصدّعت لها الجبال!
رأت العراق تُكابد معاناة الصّراع الطّائفي وأوجاع مخلّفات الحروب.
وجدت ليبيا تغرق في دوامة الخلاف والوفاق والنّفاق..!
وسوريا تهوي وتهوي ثم تهوي داخل صهريج من العدوان المقيت والفقر المُميت..!

ويبقى الإنسان العربي في حالة موت سريري..
وقضت الجزيرة نحبها على سرير نوم عميق
لا تستطيع مواجهة التاريخ و لا تحويل الجغرافيا ..
وأنا ما زلت أقرأ في عيني أمي الدامعة
بحوثًا وكتبًا عن انتحار الأحلام وتبخّر الأمنيات…
كلّ الكتب تشكو وجعًا… وتشرح انهيار الأرض و تبلد الغيوم ..

لكن من تحت الرمال ستنبت حجارة من رسائل الانتفاضة
سيقطفها كلّ من يبحث عن الحرية وكل من يقاوم لاقتلاعها
من حديد الدبابات وينتزعها من خراطيش البنادق

حتى ينبت الأمل من ضهر دار الحجر!
وحتى نجد كل السّبل للعيش الكريم والحب الرحيم…
وسنشرب على نخبك رحيق هذا الحبً
وننتشي بإعادة بناء الهويّة…فوق أرض البحر الميت…
وعلى أرض صنعاء سيتم عقد مؤتمر الخير
وستُرسم البسمة على الشفاه البائسة
وسنتحرر من قيود الهيمنة..!
وستُشع من عينيّ أمي بوادر
السّلام والحب والمغفرة.

كاتبة إنجليزية يمنية الأصل
نقلا عن :موقع الإبداع الفكري والأدبي
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 19-أبريل-2024 الساعة: 05:38 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-46016.htm