- "لا إيغوانا": أعصاب نيكولاس مادورو الفولاذية..

الإثنين, 08-ديسمبر-2025
صعدة برس - وكالات -
موقع "لا إيغوانا" الفنزويلي ينشر تحليلاً بشأن مفهوم "الأعصاب الفولاذية" كاستراتيجية سياسية تتبنّاها القيادة الفنزويلية في مواجهة التحدّيات الإمبريالية المستمرة على مدى عقود.

يوضح التحليل كيف نجحت القيادة الفنزويلية في تحويل الضغوط والاستفزازات الخارجية إلى أداة دفاعية فعّالة لحماية السيادة الوطنية والديمقراطية، مع الحفاظ على تماسك القيادة والسيطرة الواعية في مواجهة العقوبات الاقتصادية والحملات الإعلامية والمناورات الدبلوماسية العدائية.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

"أعصاب فولاذية" وصف يعكس مقاربة سياسية وسيكولوجية لمواجهة التحدّيات الإمبريالية التي تتعرّض لها فنزويلا.

هذا المفهوم يتجاوز كونه مجازاً رمزياً متصلاً بالمرونة الشخصية، ليصبح منهجاً استراتيجياً يستهدف حماية السيادة الوطنية ومنع الهستيريا الإمبريالية من تقويض الديمقراطية في بلد يعيش تحت ضغط الحصار المستمر منذ عقود.

يُفهم مصطلح "الأعصاب الفولاذية" هنا بوصفه أداة تحليلية تتعلّق بمنظومة أخلاقية وسياسية تُمارَس لمقاومة الضغوط والاستفزازات المتعمّدة التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار. فهو لا يعبّر عن حالة فردية، بل يشير إلى رؤية منهجية لما يشكّله من استجابة طبيعية وواعية للتهديدات القائمة، والتي تشمل الابتزاز العاطفي، والإرهاب الإعلامي، والضغوط السياسية وغيرها من ممارسات الهيمنة.

في سياق تتجاوز فيه أشكال العدوان التقليدية، مثل العقوبات الاقتصادية والتدخّل العسكري، إلى عمليات نفسية معقّدة مُمنهجة تشمل التلاعب بالإعلام، ونشر الشائعات، واستخدام الخطاب الدبلوماسي العدائي والتحريض الاجتماعي، يصبح الحفاظ على حالة من التماسك النفسي والاتزان الاستراتيجي واجباً وطنياً. على هذا النحو، يشكّل الهدوء الاستراتيجي للقيادة السياسية جزءاً أصيلاً من منظومة الدفاع الوطني، وليس تعبيراً عن موقف شخصي. فالأمر يستدعي قراءة واعية ودقيقة للإشارات العدائية ومعالجتها بأسلوب يقطع الطريق أمام أيّ تصعيد مقصود أو استخدام لهذه الاستفزازات كذريعة للتدخّل في الشؤون الداخلية.

لقد أدركت القوى الإمبريالية أهمية استغلال العامل النفسي في زعزعة استقرار الشعوب. تعتمد هذه القوى على استحداث حالة عامّة من الخوف وعدم الاستقرار والغضب لإضعاف أيّ إرادة جماعية. وليس من المستغرب أن ترتكز استراتيجياتها في مواجهة فنزويلا على محاولات دفع القيادة إلى اتخاذ ردود أفعال متسرّعة تُستغلّ من قِبلها لتصعيد الأجواء الدولية وخلق مبرّرات للتدخّل المزعوم تحت غطاء "العمل الإنساني". في هذا السياق، تتراوح التكتيكات بين الإهانات الدبلوماسية والاعترافات غير الشرعيّة بقيادات مختلقة وفرض حصار اقتصادي خانق وصولاً إلى تشويه الحقائق عبر حملات إعلامية ممنهجة وتضليلية.

وعلى الرغم من كلّ هذه الاستفزازات، أظهرت القيادة البوليفارية نضجاً وسيطرة واعية تظهر كحصن قوي ضدّ محاولات النفاذ الإمبريالية. هذا السلوك العقلاني لا يعني تراخياً أو سلبية، بل هو انعكاس لنهج ديمقراطي مدروس يقوم على تفكيك شحنات الاستفزاز وتجريدها من تأثيرها، بما يمنع تحوّلها إلى أدوات تصعيد أو ذرائع لترسيخ الهيمنة.

إنّ صمود القيادة الفنزويلية يظهر كمثال للتعامل المدروس والموزون مع عالم يعجّ بالتحدّيات الداخلية والخارجية. هذه السياسة الحيوية ليست فقط مناورة تكتيكية، بل نظام تفاهم استراتيجي يرتبط برؤية شاملة لحماية السيادة الوطنية وتحقيق الأمن والاستقرار في مواجهة ما تعدّه فنزويلا هجوماً مركّباً متعدّد الجوانب يستهدف السيطرة على مقدّراتها وإرادتها السياسية.

تمكّنت الإمبريالية من ترسيخ إشاراتٍ تترك تأثيراً مباشراً؛ كشعور بالغضب، واليأس، والانقسام الأخلاقي. غير أنّ فنزويلا اتخذت مساراً مغايراً عبر مقاومتها لهذه المعاني حتى قبل أن تترسّخ، متخذة نهجاً يُفكّك لغة العدوان ويبطِل معانيه.

عندما يواجه الرئيس مادورو تهديداً، سواء كان عسكرياً، دبلوماسياً، أو حتى إعلامياً، فإنه يحافظ على هدوئه من دون زعزعة، مُفعّلاً بذلك استراتيجية تربوية تعكس أنّ القوة الثورية لا تعتمد على ردود الفعل الغاضبة، بل على التفكير الواضح والرؤية الثاقبة. هدوؤه يُرسل رسالة واضحة للشعب وللنشطاء وللأطراف الإقليمية والدولية كافة: الكرامة لا تتجلّى بالشعارات فقط، بل تُبنى بالسلوك والمواقف. كما أنّ هذا الاتزان النفسي هو أيضاً وسيلة فعّالة للتصدّي للحرب النفسية؛ تلك التي تسعى لترويج رؤية مفادها أنّ فنزويلا تسير نحو أزمة لا مفرّ منها. هذه المواقف تمثّل تحدّياً للنظام العالمي الذي يغذّي حكمه على استغلال مشاعر القلق والخوف الجماعي. إنه أيضاً درسٌ سياسي عميق: لا تُهزم الأكاذيب بالصخب والغضب، بل بالصبر ودعم الحقيقة.

لطالما كانت الهجمات المتواصلة على فنزويلا تستهدف تقويض أسس النقاش الديمقراطي وإثارة الفوضى لتحييد العقل عن التفكير والتحليل العميق. لذا تعمل الاستفزازات الإعلامية وغيرها على شدّ الانتباه وفرض استجابات انفعالية تُغرق النقاش في دوامات الكراهية والغضب التي تروّجها الماكينات الإعلامية العالمية. كل إهانةٍ تأتي من دولٍ تتمتع بنفوذ واسع، كل عقوبةٍ اقتصادية مصمّمة لزيادة معاناة الشعب، وكل مناورة دبلوماسية مسمومة تسعى للإملاء على فنزويلا أن تتبع موجة غضب مفروضة من الخارج. ومع ذلك، نجحت القيادة الفنزويلية في اختيار مسار مخالف يقوم على الحوار الفعّال، الدبلوماسية الحكيمة، والإصرار على بناء مؤسسات داخلية قوية. وهذه المواجهة هي الساحة الأصعب التي يُظهر فيها المشروع الإمبريالي عجزه.

التمسّك بهدوء ديمقراطي أمام هكذا عداء ليس مجرّد حالة نفسية وإنما رفض حاسم لفكرة "العدو المطلق". وبينما تواصل القوى المهيمنة مهاجمة فنزويلا وشيطنتها كتهديدٍ عالمي، تتجنّب القيادة البوليفارية الوقوع في الفخ نفسه من خلال ردّ الفعل بالمثل. إنّ الحفاظ على هذا التوازن لا يعني تجاهل الواقع المؤلم للعقوبات وظلمها الصارخ، بل يعني رفض التحرّك بدافع كراهية خارجية تحدّد إيقاع السياسات الداخلية. وبالتالي، فإنّ تبنّي مبدأ "الأعصاب الفولاذية" يشكّل موقفاً أخلاقياً يُظهر أنّ الدفاع عن السيادة ينبغي أن يتمّ بروح أخلاقية تفوق تلك التي يتحرّك بها الخصم.

تستلزم هذه المبادئ الديمقراطية جهداً متوازناً: القدرة على التصدّي للإغواء العاطفي وفي الوقت ذاته تعزيز وعي ثوري منظّم لا يعتمد فقط على الحماسة العابرة، بل على تفكير وتحليل يجعلان كل تحرّكٍ للخصم يبدو جلياً كتفاعل مفتعل أو مناورة مكشوفة. في هذا السياق، يصبح الهدوء وسيلة للاستبصار والتفسير. فهو ليس حالة رفاهية نفسية بقدر ما هو أداة استراتيجية لكشف تركيبة الهجوم وضمان تفكيكه قبل انتشاره.

رغم ذلك، لم تتردّد المعارضة المدعومة من قوى دولية في محاولاتها المتكرّرة لتفكيك هذا الخط الصامد، مستخدمة أساليب مثل الانقلابات الإعلامية وتأجيج العنف والمناورات الدبلوماسية التي تفتقر إلى الشرعية والتخريب الاقتصادي. تسعى هذه الأفعال إلى استدراج ردود فعل عاطفية تخدم الروايات السطحية التي تلتهمها الدعاية العالمية من دون تمحيص أو إدراك للعوامل التاريخية والجيوسياسية.

لكنّ الاكتفاء بالهدوء والثبات لا يحدث عشوائياً؛ فهو مستمد من إرث سياسي عريق متأصّل في فكر سيمون بوليفار وزامورا والزعيم تشافيز. إنه مزيج من الحزم المدروس والحكمة السياسية.

* المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من الميادين نت
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 08-ديسمبر-2025 الساعة: 06:33 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: https://www.saadahpress.net/news/news-50405.htm