صعدة برس - وكالات - في مخيمات النزوح غرب مدينة غزة، لم تعد المسافة بين خيمة وأخرى مجرد أمتار، بل امتدت لتشمل مسافة الخطر الصحي والبيئي.
هنا، تتشابك حياة النازحين مع أكوام القمامة وبرك مياه الصرف الصحي، في مشهد يختصر وجهاً آخر من وجوه الحرب المستمرة على قطاع غزة، حيث لم يعد القصف وحده تهديداً، بل تداعيات الحصار والدمار اليومي للبنية التحتية.
أم محمد الغرابلي، وهي أم لخمسة أطفال نزحت من بيتها المدمر في جباليا شمالي قطاع غزة، تصف لصحيفة (فلسطين)، مشهد خيمتها المحاطة بالنفايات: في البداية كنا نجمع القمامة ونبعدها قليلاً، لكن مع الوقت لم يعد هناك مكان نضعها فيه".
وقالت إن أكياس الطعام الفاسد والحفاضات الممزقة وقطع البلاستيك تحولت إلى جزء من حياتنا اليومية.
تزداد الأزمة حدة مع ارتفاع درجات الحرارة، حيث تنبعث الروائح الكريهة وتجذب الذباب والفئران، فيما يقف الأطفال وسط هذه البيئة الملوثة غير مدركين للمخاطر الصحية، بحسب الغرابلي، التي روت أن طفلها الأصغر أصيب بإسهال حاد أكثر من مرة، بينما غياب الأدوية والمستشفيات القريبة يحول كل علاج إلى مستحيل.
وفي مخيم آخر غرب المدينة، يواجه نازحون آخرون تهديداً صامتاً من مياه الصرف الصحي الراكدة، بعد تدمير شبكات الصرف خلال الحرب.
أحمد يونس، نازح من بيت لاهيا، يقول:"كنا نهرب من القصف، فوجدنا أنفسنا نعيش وسط المجاري"، موضحاً أنه حاول حفر قنوات لتصريف المياه بعيداً عن خيمة أطفاله، لكن كل محاولة فشلت بسبب غمر الأرض بالبرك الملوثة.
تتضاعف المعاناة ليلاً مع انتشار البعوض والحشرات، واضطرار العائلات لإغلاق خيامها رغم الحر، وسط غياب الحلول الفورية من البلديات التي تعجز عن تشغيل ما تبقى من شبكات الصرف الصحي بسبب نقص الوقود وقطع الغيار.
الغرابلي ويونس يؤكدان أن الحياة اليومية أصبحت صراعاً مستمراً بين البقاء على قيد الحياة وحماية الأطفال من الأمراض الجلدية والتنفسية، في واقع يفرضه دمار الحرب وغياب الخدمات الأساسية، حيث تتحول كل خطوة بين الخيام إلى خطر محتمل.
هذا المشهد اليومي الصامت، يعكس جانباً آخر من الكارثة الإنسانية التي يعيشها آلاف النازحين في غزة، بعيدا عن عدسات القصف، في بيئة ملوثة تهدد حياتهم وصحة أبنائهم، وتكشف عمق ما خلفته الحرب من أزمات مستمرة. |