صعدة برس - وكالات - اعتبر مراقبون أن الاعتراف الإسرائيلي بـ"أرض الصومال" لا يُعدّ خطوة عابرة في سياق السياسة "الإسرائيلية"، بل يعكس تحوّلًا استراتيجيًا أعمق يستهدف إعادة تشكيل خرائط النفوذ في الإقليم، وتعزيز حضور تل أبيب العسكري والاستخباراتي في واحدة من أكثر المناطق حساسية وتأثيرًا.
ويرى المراقبون أن هذا الاعتراف يتقاطع مع تمدد متسارع لجهاز "الموساد" (جهاز الاستخبارات الخارجية التابع للاحتلال) في الشرق الأوسط وشرق أفريقيا، ضمن استراتيجية أشمل يقودها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، تهدف إلى ترسيخ "إسرائيل" لاعبًا مركزيًا قادرًا على التحكم بمسارات الشرعية الإقليمية، وبالممرات الحيوية للتجارة الدولية التي تشكّل شريانًا أساسيًا للاقتصاد "الإسرائيلي".
وقال الكاتب والباحث السياسي محمد القيق إن "الاعتراف (الإسرائيلي) بـ(أرض الصومال) يمثّل خطوة خطيرة في تكريس قدرة تل أبيب على منح الشرعية للدول أو نزعها، بما يحوّلها تدريجيًا إلى مرجعية إقليمية تحدد شكل الأنظمة وخرائط الانفصال في المنطقة".
وأوضح القيق، في حديثه لـ"قدس برس"، اليوم الأحد، أن "هذه الخطوة ليست معزولة، بل قد تشكّل مقدّمة لتكرار النموذج نفسه في جنوب سوريا وشرقها، واليمن، والسودان، وجنوب لبنان، ضمن مشروع أوسع لإعادة رسم خرائط النفوذ وتغيير الواقع الحدودي الراسخ منذ عقود".
وأشار إلى أن "هذا التوجّه ينسجم مع معادلة (فرض الاستقرار عبر القوة) و(الفوضى الخلّاقة)، من خلال توظيف الهويات المحلية والأقليات لصناعة كيانات جديدة على حساب الدول القائمة".
ويرى القيق أن "البعد الأخطر يتمثل في الصراع على الموارد، إذ تكون الكيانات الصغيرة أكثر قابلية للارتهان السياسي والاقتصادي لـ(إسرائيل)، ما يمنحها نفوذًا مباشرًا على الثروات الطبيعية ومصادر المياه، ويجعلها لاعبًا حاسمًا في هندسة الترتيبات الإقليمية".
وبحسب القيق، تسعى "إسرائيل" عبر هذه الأدوات إلى تجاوز حدود اتفاقية "سايكس–بيكو"، بل وحتى الحدود التي رسمها الانتدابان البريطاني والإيطالي في دول مثل السودان والصومال، لإعادة تشكيل المنطقة وفق منظورها الأمني والاستراتيجي.
من جانبه، قال أستاذ حل النزاعات والخبير في الشؤون "الإسرائيلية" علي الأعور، إن جهاز "الموساد" يشهد تمددًا متسارعًا في الإقليم، عقب اختراقات واسعة حققها داخل إيران، من خلال إنشاء معسكرات وقواعد للطائرات المسيّرة في محيطها.
وأضاف الأعور، في حديثه لـ"قدس برس"، أن "هذا التوسّع لم يعد مقتصرًا على الجوار الإيراني، بل امتد إلى باب المندب، حيث تعمل (إسرائيل) على إنشاء قاعدة عسكرية استخباراتية في منطقة تُعد من أهم الممرات البحرية الدولية".
وأوضح أن "الاعتراف (الإسرائيلي) بـ(أرض الصومال) يأتي ضمن هذا المسار الاستراتيجي، إذ يتمتع الإقليم بموقع حيوي يتيح لـ(إسرائيل) تأمين ممرها البحري الوحيد نحو العالم، الممتد من باب المندب وقناة السويس وصولًا إلى الهند وجنوب شرق آسيا وخليج عدن".
ويرى الأعور أن "هذا التحرك يعكس رغبة واضحة لدى نتنياهو في تثبيت (إسرائيل) كفاعل مركزي يرسم مستقبل الشرق الأوسط".
وأشار إلى أن نتنياهو، وبعد أكثر من عامين على حربه المستمرة على غزة، يواصل تحدي المجتمع الدولي عبر اتخاذ خطوة لم تجرؤ أي دولة أخرى على الإقدام عليها.
ويصف الأعور هذا الاعتراف بأنه تحدٍّ مباشر للشرعية الدولية، ولنفوذ الدول المحورية في القرن الأفريقي والشرق الأوسط، وفي مقدمتها مصر واليمن والسودان وإيران.
وأضاف أن
الهدف الأعمق يتمثل في تحقيق مكاسب أمنية وعسكرية، أبرزها الاقتراب من اليمن والتحكم بمضيق باب المندب وخليج عدن، بما يتيح لـ(إسرائيل) التأثير على حركة السفن التي تعتقد أنها تنقل السلاح إلى جماعة الحوثي، كما تسعى إلى تعزيز سيطرتها على شريان تجارتها البحرية، إذ تمرّ نحو 99% من تجارتها الخارجية عبر مسار الهند – باب المندب – قناة السويس".
إلا أن الأعور نبّه إلى أن "نتنياهو يتجاهل وجود قوى مقاومة مؤثرة في هذه الساحات، سواء في الصومال أو اليمن أو غيرها من البيئات التي تشهد نشاطًا لفصائل مسلحة وجماعات إسلامية، ما يجعل المشروع (الإسرائيلي) أكثر تعقيدًا مما يتصوره".
وخلص الأعور إلى أن الاعتراف بـ"صوماليلاند" ليس خطوة سياسية منفصلة، بل جزء من مشروع أوسع يهدف إلى ترسيخ الحضور العسكري والاستخباراتي (الإسرائيلي) في شرق أفريقيا والشرق الأوسط، وربط هذه القاعدة الجديدة بشبكة "الموساد" الممتدة من إيران حتى المغرب العربي، في محاولة لإعادة فرض "إسرائيل" لاعبًا مهيمنًا في المنطقة.
وتُعدّ "أرض الصومال" كيانًا سياسيًا يعمل بحكم الأمر الواقع منذ عام 1991، ويسيطر على إقليم شمال غرب الصومال ضمن حدود الصومال البريطاني السابق.
وتستند نشأة هذا الكيان إلى مسار تاريخي يبدأ باستقلال الإقليم عن بريطانيا في 26 حزيران/يونيو 1960، ثم اتحاده طوعًا بعد أيام مع الصومال الإيطالي لتشكيل الجمهورية الصومالية، قبل أن ينهار هذا الكيان المركزي لاحقًا مع اندلاع الحرب الأهلية.
وفي 18 أيار/مايو 1991، أعلن قادة محليون في الإقليم "استعادة الاستقلال"، وشرعوا في بناء مؤسسات حكم محلية شملت الأمن والقضاء والإدارة والعملة والدستور، مع إجراء استفتاء دستوري عام 2001 وتنظيم انتخابات دورية لاحقًا.
وعلى الصعيد الدولي، بقيت "أرض الصومال" لعقود دون اعتراف رسمي واسع، رغم ما تتمتع به من استقرار نسبي مقارنة ببقية مناطق الصومال، وهو ما وثّقته تقارير للاتحاد الأفريقي وعدد من المراكز البحثية الدولية.
والخميس الماضي، أعلن الاحتلال الإسرائيلي اعترافه الرسمي بـ"أرض الصومال"، في خطوة قوبلت برفض الحكومة الصومالية ومعارضة عدد من الأطراف العربية والإقليمية والدولية. |