صعدة برس-متابعات - غادر آخر جنود الاحتلال التركي لليمن عام 1918 بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية ليحل بديلاً عنهم الأئمة الزيديون الذين هم اليوم حلفاء إيران في اليمن وهو ما جعل البلاد ترتبط مع إيران وتركيا بماضٍ استعماري لليمن وضعها في مركز توجهات السياسة الخارجية للدولتين في الوقت الحاضر.
وفيما أسس الإيرانيون كياناً كبيراً في اليمن بدعم كبير ومنظم، يبادر الأتراك حالياً لفعل الشيء نفسه، حيث يتجهون إلى تأسيس كيان مماثل تقوده حركة الإخوان المسلمين فرع اليمن.
وبدأ العمل التركي على هذا المشروع منذ سنوات بعد وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي للسلطة في تركيا غير أن وتيرة التحركات التركية على الأرض اليمنية أصبحت نشطة للغاية بعد موجة الربيع العربي التي وصلت إلى عدة أقطار عربية بينها اليمن.
ووجدت تركيا في نمو النفوذ الإيراني باليمن مدخلاً مناسباً لبناء شبكة تحالفات قوية داخل اليمن تعمل ضد مشروع إيران بدرجة أساسية تعكس تحول البلاد إلى ساحة للصراع الإقليمي والمشروعات الخارجية.
الخطوات الأولى
بدأ الأتراك أولى خطواتهم بتأسيس علاقات دبلوماسية جيدة مع نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح لطمس كثير من معالم احتلالهم لليمن وتحويل تعريف الاحتلال العثماني في المناهج والأدبيات اليمنية إلى مصطلح الخلافة العثمانية ليتوج هذا الجهد بوصول الرئيس التركي الحالي عبدالله جول إلى صنعاء وافتتاح نصب تذكاري للجنود العثمانيين الذين قتلوا في اليمن.
وقد مثلت المناطق الخاضعة للمذهب الزيدي محور المقاومة للوجود العثماني في اليمن، وكانت هناك مناطق في الشمال لم يتمكن الأتراك من دخولها بسبب المقاومة الكبيرة لهم من قبل رجال القبائل الزيود.
ولاتزال في اليمن وتحديداً في صنعاء أسر تركية موجودة في مناصب عليا بالدولة، كما أن هناك أحياءً في صنعاء يقطنها يمنيون من أصول تركية مازالوا محتفظين بتقاليد وعادات تركية حتى في الأزياء والأثاث المنزلي.
وفي فترة حكم نظام صالح عمل الأتراك بسرية تامة مع حركة الإخوان المسلمين وذلك على محاور مختلفة كان أبرزها المحور التجاري، حيث دعمت تركيا عبر حزبها الحاكم الإخوان المسلمين في اليمن بالمال والاستشارات والخدمات الفنية للعمل المصرفي، واستطاع الشيخ حميد الأحمر أحد قيادات إخوان اليمن أن يبني إمبراطورية تجارية كبيرة بمساعدة الأتراك.
كما منح إخوان اليمن توكيلات لشركات ومنتجات تركية غزت أسواق اليمن بصورة لافتة في الآونة الأخيرة وذلك في إطار الدعم التركي لحلفاء أنقرة.
الربيع والإخوان
وبعد انطلاق ثورات الربيع العربي وجدت تركيا الباب مفتوحاً لها لتلعب دوراً كبيراً في دعم أنشطة حركة الإخوان المسلمين الذين يقودون الثوار في الساحات وفتحت تركيا مستشفياتها لعلاج جرحى الثورة ومولت الساحات عن طريق الشيخ حميد عبدالله الأحمر رجل الأعمال والقيادي البارز في حركة الإخوان المسلمين باليمن.
وحصلت «الشرق» على معلومات خاصة أوردها تقرير أمني صدر في يناير من العام الماضي وأعدته شعبة في جهاز المخابرات «الأمن القومي» تفيد بقيام حزب العدالة والتنمية التركي بتدريب أكثر من 800 من كوادر حزب الإصلاح في اليمن «الإخوان المسلمين» في مجالات عديدة أبرزها التنمية البشرية والتخطيط والتقنيات الحديثة في الاتصالات والتخطيط العسكري وإدارة المؤسسات الصحية والتعليمية ومجالات أخرى مختلفة.
ورغم الزيارات التي قام بها مسؤولون يمنيون كبار إلى تركيا في السنوات الأخيرة الماضية وكان على رأس إحدى هذه الزيارات الرئيس السابق علي صالح وعدد من وزراء حكومته إلا أن تركيا لم تمنح اليمن أي دعم يستحق الذكر، بل وجدت في اليمن سوقاً رائجاً لمنتجاتها واقتصر نشاط الأتراك على دعم حزب الإصلاح الإخواني الذي يعد أكثر فروع الحركة ارتباطاً بالعدالة والتنمية التركية.
وكان نظام صالح قد بدأ يظهر استياءه من النشاط التركي في اليمن بعيداً عن الطرق الدبلوماسية المتعارف عليها وذلك بعد التقرير المشار إليه سالفاً ليقوم صالح وعبر وزارة الخارجية بإشعار سفير تركيا برفضه للتحركات التركية وتوثيق العلاقات مع حركة الإخوان المسلمين.
جهود علنية
بعد رحيل نظام صالح عن الحكم ظهرت التحركات التركية صوب اليمن بشكل علني ولم يتحرج سفير تركيا من لقاء قيادات إخوان اليمن وتنسيق تحركات تصب في مجرى تأسيس قوة سياسية حليفة لتركيا، وهو ما تم فعلاً، حيث استطاعت تركيا أن تجمع أجنحة حركة الإخوان المسلمين كلها في اليمن تحت لواء العدالة والتنمية.
وقد زار اليمن خلال أقل من ستة أشهر وزير خارجية تركيا ونائب رئيس الوزراء وعدد من الوزراء وقيادات مؤسسات حكومية تركية وجميعهم يرفعون شعار تنمية علاقات بين البلدين ودعم اليمن اقتصادياً غير أن ما قدمته تركيا خلال هذه الزيارات لم يتجاوز سيارتي إسعاف إضافة إلى ثلاثة مراكز للغسيل الكلوي مازالت في إطار الوعود.
وأفصح وزير الخارجية التركي داوود أوغلو خلال زيارته لليمن في العشرين من أكتوبر الماضي عن رفض تركيا للتدخل الإيراني في اليمن، الأمر الذي عدّه مراقبون رسالة لإيران مفادها أننا سنواجه تحركاتكم في اليمن، ظهر فيها أيضاً إعلان لولادة مشروع تركيا في اليمن في مفتتح عهد الربيع العربي.
وقال المسؤول التركي في مؤتمر صحفي مع وزير خارجية اليمن الدكتور أبوبكر القربي متحدثاً عن التدخل الإيراني في اليمن «نستغرب من سيناريوهات بعض الدول التي تحاول فيها المساس بأمن ووحدة اليمن»، وأضاف «لا تستطيع أي قوة المساس بوحدة وأمن واستقرار اليمن، وتركيا لا تريد حتى أن تسمع بمثل هذا الكلام».
وأكد أوغلو أن بلاده «مع وحدة وأمن واستقرار اليمن واصفاً إياها بأنها من أقدم الحضارات في المنطقة والشرق الأوسط وتقع على أهم منطقة جغرافية ومنطقة مائية تهم المنطقة والعالم وأكد أن أمنها واستقرارها قضية إستراتيجية دولية».
وكان رئيس وزراء اليمن محمد سالم باسندوة الذي زار تركيا بتنسيق من قيادات في حركة الإخوان المسلمين قد أثنى على الدور التركي مع ثورات الربيع العربي..وقال» نحن نفخر كثيراً بتركيا كقوة إقليمية، وقوة دولية في القريب إن شاء الله تعالى».
نفوذ داخل حكومة الوفاق
عقد نائب رئيس وزراء تركيا بولنت آرنتش اجتماعاً سرياً مع قيادات عسكرية تابعة لحركة الإخوان المسلمين في اليمن وذلك في سفارة بلاده بصنعاء أواخر الشهر الماضي دون إشعار السلطات اليمنية بذلك اللقاء.
والتقى المسؤول التركي عسكريين من إخوان اليمن بوجود اللواء علي محسن الأحمر، الذي يعد قائد الجناح العسكري للحركة في اليمن وذلك بسرية تامة .
وكشف الكاتب أمين الوائلي رئيس تحرير صحيفة «المنتصف» عن لجنة اقتصادية يرأسها القيادي في حزب الإصلاح الشيخ حميد الأحمر تقوم برسم السياسات وإدارة الملفات الاقتصادية والاستثمارية لحكومة الوفاق الوطني، وهي لجنة غير معلنة وتمارس اختصاصات رسمية عليا وترفع قراراتها وتوصياتها لرئاسة الحكومة للعمل بها والتنفيذ.
وقال الوائلي لـ»الشرق» إن هذه اللجنة الخاصة برئاسة الأحمر تنشط في إدارة ملفات تعاون وشراكة اقتصادية واستثمارات مختلفة مع الجانبين التركي والقطري، وكانت حاضرة في الترتيب لزيارات وفود رسمية واقتصادية تركية إلى صنعاء خلال الأشهر الماضية.
وأضاف أن رئيس حكومة الوفاق الوطني محمد سالم باسندوة يعول في الملف الاقتصادي بصورة كاملة على اللجنة الخاصة وفوضها صلاحيات كاملة بحيث أصبحت الفاعل الرئيس، في الظل، فيما الحكومة تدير اجتماعاتها الروتينية مكتفية بتمرير القرارات والقضايا المعروضة على جدول الأعمال، وهي في الغالب «ثانوية» أو بعيدة عن القطاع الاقتصادي والمالي.
مشروع إقليمي
يقول عضو الأمانة العامة في حزب المؤتمر الشعبي العام القيادي محمد أنعم لـ»الشرق» إن التحرك التركي في اليمن يصب في اتجاه بدأه الأتراك منذ وصول حزب العدالة والتنمية التركي للحكم لإيصال حزب الإصلاح في اليمن إلى السلطة بالتوازي مع مشروع مماثل في مصر بحيث يكون لتركيا النفوذ الأكبر على ممرات الملاحة المائية في جنوب وشمال البحر الأحمر حيث تطل مصر واليمن.
وأضاف أنعم أن تركيا بحزبها الإخواني الحاكم كانت محركاً أساسياً إلى جانب دولة قطر لمسار الاحتجاجات في اليمن العام الماضي، وقدمت تركيا دعماً مالياً كبيراً لقادة حزب الإصلاح لإسقاط نظام الرئيس صالح، وإن تركيا ترتبط بعلاقات قوية مع إخوان اليمن وصلت إلى حد تنسيق أعمال عسكرية في بلدان الربيع العربي وتحديداً سوريا.
وكشف أنعم عن تمويل تركيا لمعسكرات تدريب لميليشيات الإخوان المسلمين في اليمن يتم استخدامهم في سوريا وآخرين قاتلوا القوات الحكومية اليمنية العام الماضي، وأشار إلى حنين الأتراك لماضيهم الاستعماري باليمن، ولكن بطريقة مختلفة ومتطورة عن طريق دعم حركة الإخوان للوصول إلى حكم اليمن وضمان عدم ذهاب السلطة إلى أطراف حليفة لإيران اللاعب الأبرز على الساحة اليمنية وخصم تركيا القوي في المحور السوري.
وقال أنعم إن إيران تريد إنشاء مركز وجود بديل لسوريا في اليمن، وقد بدأت بالفعل تحصد نجاحات كبيرة ميدانياً وتركيا تعمل في اتجاه معاكس للمشروع الإيراني وحذر من تحول اليمن إلى ساحة صراع مفتوحة لمروعي إيران وتركيا يكون وقودهما الشعب اليمني بتكوينه القبلي المسلح .
ويؤكد القيادي في حزب صالح أن الرئيس السابق وحزبه وتحالف القوى التي عملت بجانبه مثل حاجز مهم ضد المشروعات القادمة من الخارج، حيث وقف بقوة في وجه التحرك الإيراني الداعم للحوثيين وجعل من هذا التحرك خيانة وطنية يعاقب عليها القانون.
وقال أنعم إن تركيا وإيران تملكان مقومات كثيرة من شأنها أن تعيد صياغة التحالفات الموجودة في اليمن وهو ما يمثل خطراً على الأمن القومي لدول الخليج العربي.
سباق تسلح
وعن محور الأمن وتهريب السلاح، يقول مسؤول أمني في قطاع الأمن الساحلي بمحافظة تعز لـ»الشرق» إن سواحل مدينة المخا وباب المندب والسواحل الغربية لليمن أصبحت مفتوحة بشكل كامل أمام عمليات تهريب الأسلحة من تركيا إلى اليمن، وأضاف أن هناك عمليات تهريب تتم عن طريق الموانئ وبتواطؤ جهات حكومية وتذهب شحنات هذه العمليات لصالح تكوينات مسلحة غير نظامية غالبيتها تتبع حزب الإصلاح وشيوخ قبائل يمنيين بارزين.
وأعدّ شحنات السلاح المضبوطة في دبي وفي عدن فقط عينات من حركة تهريب نشطة تتجه إلى اليمن من تركيا هدفها الأساسي ليس التجارة، بل تقوية نفوذ جماعات معينة في صراعها الداخلي مع القوى الأخرى.
وأشار إلى أن الصراع السياسي بين تركيا وإيران في اليمن يقابله سباق على تسليح الحلفاء عن طريق شحنات السلاح القادمة إلى سواحل اليمن الغربية وسواحل محافظة تعز، وغالباً ما تكون أريتريا مركزاً مساعداً لإيصال الشحنات.
وينقسم المشهد السياسي في اليمن حالياً بين أقوى حركتين في البلاد هما: حركة الإخوان وحلفائها القبليين والعسكريين، وحركة الحوثيين وتيار طهران في اليمن، في حين تقف القوى اليسارية وحزب صالح موقف المتفرج مع فارق بسيط هو أن صالح وحزبه يأملون بنشوب صراع مسلح بين الحركتين ليتم إضعافهما وبالتالي يعود هو إلى المركز الأول كونه مازال يحتفظ ببعض نقاط القوة التي اكتسبها من وجوده في السلطة طيلة 33 عاماً.
أما قوى اليسار فهي مقسمة أيضاً، حيث يميل الحزب الاشتراكي اليمني وحزب البعث السوري إلى حركة الحوثيين، بينما يبقى الناصريون خارج دائرة الاستقطاب ويعملون في خط سياسي مستقل نسبياً بعد زوال الداعم الأساسي لهم نظام الرئيس معمر القذافي في ليبيا.
الشرق السعودية |